في الوقت الذي تزداد فيه حدة التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، تبدو جهود التهدئة الدولية وكأنها تصطدم بجدار من الصمم. وبينما تحصر الأطراف المتورطة نيرانها حتى الآن في نطاق محدود، يلوح في الأفق شبح انفجار واسع قد يعيد تشكيل توازنات الشرق الأوسط ويقلب النظام الدولي رأسا على عقب. التقرير التالي يقدّم قراءة مهنية في أبرز السيناريوهات المحتملة، مع التركيز على أكثرها ترجيحًا بناءً على المعطيات الراهنة.
1. تورط أمريكي محتمل: خطوة نحو نقطة اللاعودة؟
رغم تأكيدات واشنطن على عدم مشاركتها المباشرة في الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، إلا أن طهران ترى في الموقف الأمريكي غطاءً سياسياً ومخابراتياً للهجمات. احتمال توسع الرد الإيراني باتجاه أهداف أمريكية – كقواعد في العراق أو الخليج أو بعثات دبلوماسية – يظل واردًا، خصوصًا مع بقاء الميليشيات العراقية الموالية لإيران نشطة. وقد بادرت واشنطن بسحب بعض قواتها كإجراء احترازي، لكنها حذّرت طهران من مغبة استهداف مواطنيها.
وفي حال سقوط ضحايا أمريكيين، قد يجد الرئيس الأمريكي السابق – وربما العائد – دونالد ترامب نفسه أمام ضغوط داخلية للتدخل، على الرغم من وعوده السابقة بعدم الانخراط في “حروب الشرق الأوسط”. إلا أن احتمالية الدعم العسكري لإسرائيل في حال تهديد وجودي لا تزال قائمة، وهو ما سيؤدي حتمًا إلى تصعيد كبير يصعب احتواؤه.
2. الخليج في مرمى النيران: تصفية حسابات أم توسيع للمسرح؟
مع عجز إيران عن إحداث ضرر استراتيجي مباشر داخل إسرائيل، قد تتحول الصواريخ إلى أهداف خليجية تراها طهران شريكة في دعم “العدو الصهيوني”. وقد سبق لإيران أن هاجمت منشآت نفط سعودية في 2019، واستُهدفت أبو ظبي من ميليشيا الحوثي في 2022. وبرغم جهود التهدئة الخليجية الإيرانية الأخيرة، فإن استضافة بعض هذه الدول لقواعد أمريكية قد يجعلها هدفًا محتملًا لهجمات انتقامية.
وفي حال حدوث ذلك، قد تطالب هذه الدول بتدخل عسكري أمريكي مباشر، ما يعيد خلط الأوراق بالكامل ويعزز من سيناريو الحرب الإقليمية.
3. النووي الإيراني: فشل الضربة وتسرّع التخصيب
الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية، وإن ألحق خسائر بالأرواح والمعدات، قد لا يكون كافيًا لتدمير القدرات الفعلية لطهران. فمئات الكيلوغرامات من اليورانيوم عالي التخصيب ما تزال في أماكن يصعب الوصول إليها. وقد يؤدي هذا الهجوم إلى تسريع المشروع النووي الإيراني بدلاً من إيقافه، تحت شعار “الردع وحده يحمينا”.
وإذا تراجعت الأصوات المعتدلة داخل النظام الإيراني، فسيصعد المتشددون بقرار بناء السلاح النووي باعتباره الخيار الوحيد للرد على “العدوان الوجودي”، مما قد يجر إسرائيل إلى جولات قصف متكررة، ويدخل المنطقة في دوامة لا نهائية من “الضربات والضربات المضادة”.
4. أزمة نفط عالمية: سلاح الطاقة يعود للواجهة
سعر النفط ارتفع بالفعل، لكن ماذا لو أغلقت إيران مضيق هرمز؟ حينها ستتأثر شحنات ما يقرب من ثلث النفط العالمي. ومع تهديد الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر، فإن شريان الطاقة العالمي سيكون تحت خطر مزدوج. هذا التصعيد سيؤدي إلى تضخم عالمي جديد، مع استفادة مباشرة لروسيا التي ستحصد أرباحاً مضاعفة من مبيعات النفط والغاز.
5. إسقاط النظام الإيراني: نصر استراتيجي أم كارثة إقليمية؟
إذا نجحت إسرائيل – بمساعدة مباشرة أو غير مباشرة – في زعزعة النظام الحاكم في إيران، فستكون الكلفة السياسية والأمنية هائلة. إذ تشير التجارب في العراق وليبيا وسوريا إلى أن انهيار الدولة المركزية يُنتج فراغًا يملؤه العنف والفوضى والطائفية، وقد يعيد إيران إلى مرحلة ما قبل الدولة الحديثة، مع صراعات داخلية مفتوحة على كل الاحتمالات.
ورغم الترحيب المحتمل من قوى إقليمية وإسرائيلية بسقوط النظام الثوري، فإن السؤال الأهم يبقى: من سيملأ هذا الفراغ؟ وهل ستتحول إيران إلى ساحة حرب أهلية أم إلى كيان مشوه بسلطات متناحرة؟
التصعيد الحالي بين إيران وإسرائيل لم يعد مجرد “مناوشة” أو “ردع متبادل”، بل بات مرشحًا للتطور إلى مواجهة كبرى. السيناريو الأكثر احتمالًا – في حال استمرار الضربات – هو دخول الولايات المتحدة على خط الصراع، مع تهديد مباشر لمنشآت الخليج النفطية، وتسريع إيران لامتلاك سلاح نووي كوسيلة بقاء. وكلما طالت مدة الصراع دون وساطة دولية فاعلة، زادت فرص تحوله إلى حرب إقليمية مفتوحة ستكون تداعياتها مدمرة للعالم أجمع.