التوحيد بين المفهوم القرآني الإسلامي والاصطلاحي الكلامي
د. حاكم المطيري
توحيد الله في القرآن والسنة هو الإسلام، والإيمان بالله وحده ربا معبودا، والإقرار له وحده بالألوهية بشهادة (أن لا إله إلا الله)، كما قال تعالى: ﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله﴾، وقال النبي ﷺ لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: (فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله)، وفي لفظ: (أن يشهدوا ألا إله إلا الله).
فمن قالها إقرارا بها وبأن محمدا رسول الله، فقد صار مسلما موحدا -بالنص والإجماع- وجاء بالكلمة التي قال النبي ﷺ لعمه وهو فراش الموت: (قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله يوم القيامة).
وهذا هو التوحيد القرآني الشرعي الذي كان يعرفه الصحابة، ولا يعرفون غيره، ودعوا الأمم كلها إليه، كما قال جابر في حديث حجة الوداع: (فأهل رسول الله ﷺ بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).
وقال النبي ﷺ كما في صحيح مسلم: (من وحد الله، وكفر بما يعبد من دون الله) وفي لفظ: (من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، فقد حرم ماله ودمه، وحسابه على الله).
فساوى النبي ﷺ بين توحيد الله والإسلام، في الاسم والحكم، وهو قول لا إله إلا الله، وعصمة النفس والمال .
وقال النبي ﷺ: (يعذب ناس من أهل التوحيد في النار، ثم تدركهم الرحمة، فيخرجون..).
فسمى النبي ﷺ المسلمين من أهل المعاصي (أهل التوحيد)، لأنهم جاءوا بالشهادتين، فصاروا مسلمين موحدين.
وأوجب شعائر التوحيد العملية فرائض الإسلام القطعية، كما قال النبي ﷺ لمعاذ: (فإن هم أجابوا لذلك – يعني التوحيد بالشهادتين – فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة في أموالهم)، وقال ﷺ (بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا).
فمن جاء بالفرائض الخمس مخلصا لله بها؛ فقد جاء بأركان التوحيد كلها، وفرائضه القطعية، قولا، واعتقادا، وعملا .
ولم يبق من حقيقة التوحيد الواجب فرضا على الأعيان شيء، وليس وراء ذلك إلا كمال التوحيد، سواء بفعل الطاعات والمأمورات والإخلاص بها لوجه الله، أو ترك المنهيات واجتنابها لوجه الله تعالى، بما في ذلك اجتناب ما أطلق الشارع عليه اسم الشرك، كالحلف بغير الله، ونحوه من الأقوال والأفعال التي سماها شركا، ولا تنقض أصل التوحيد، فيكون فاعلها مسلما، موحدا، عاصيا، لا خارجا من الإسلام والتوحيد!
فمن استوفاها كلها فقد حقق كمال التوحيد والإيمان والإسلام، ومن تركها فقد نقص من الكمال بقدر ما ترك.
وإلا توحيد الله في الحكم بما أنزل على عباده، وهو فرض كفاية، يخاطب به المؤمنون بمجموعهم حال الاستخلاف والقدرة.
وأما التوحيد عند أهل الكلام فهو اصطلاح عرفي حادث خاص بأهل الكلام، وهو الجدل والمحاججة في إثبات صفات الله ونفيها، حيث سمى المعتزلة نفي الصفات توحيدا، ومن لم ينفها مشركا أو كافرا وهو معنى لم يعرفه الصحابة، ولا التابعون، ولا أتباعهم، كما قال سليمان اليشكري سألت جابر بن عبدالله (هل كنتم ترون الذنوب شركا؟ قال معاذ الله ما كنا نزعم أن في المصلين مشركا)!
وقد قابلهم بعض أئمة الحديث فسموا إثبات الصفات توحيدا، كما سمى ابن خزيمة كتابه (التوحيد)، ثم ما زال الجدل بين الفريقين، حتى لم يعد يعرف المتكلمون إلا هذا التوحيد الاصطلاحي الكلامي! وبقي عامة المسلمين على التوحيد الشرعي القرآني، الذي يعلمونه أولادهم، ويعرفه الأميون منهم، فيشهدون أن لا إله إلا الله، ويصلون الصلوات الخمس، ويصومون رمضان، ويحجون البيت، ويؤدون زكاة أموالهم..
فمن رماهم بالكفر، أو الشرك، أو نفى عنهم وصف التوحيد، أو اتهمهم بعداوة التوحيد فقد نفى عنهم الإسلام، الذي أجمع الصحابة على ثبوته لكل من نطق بالشهادتين، وصلى، كما في الصحيح عن أنس (من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم).
وقد صار أئمة السنة ينصون على هذا الأصل، كما قال قتيبة بن سعيد: (ولا نقطع الشهادة على أحد من أهل التوحيد وإن عمل بالكبائر).
فأهل التوحيد عندهم: هم أهل القبلة، وأهل الإسلام، فهي ألفاظ مترادفة عند أئمة السنة.
وقال محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة :(فلا عمل بعد توحيد الله أفضل من الصلاة لله، لأنه افتتحها بالتوحيد والتعظيم لله بالتكبير، ثم الثناء على الله، وهي قراءة فاتحة الكتاب، وهي حمد لله وثناء عليه، وتمجيد له ودعاء، وكذلك التسبيح في الركوع والسجود والتكبيرات عند كل خفض ورفع، كل ذلك توحيد لله وتعظيم له، وختمها بالشهادة له بالتوحيد، ولرسوله بالرسالة، وركوعها وسجودها خشوعا له وتواضعا، ورفع اليدين عند الافتتاح والركوع لله تذللا له، وإذعانا بالعبودية).