“الجرحُ يأبى أن يَخون”.. شعر: صالح أحمد كناعنة
قاموا يَقيسونَ المسافَةَ بينَ جُرحي وانتِفاضي
عادوا يَكيلونَ المديحَ لطولِ صَمتي والتَّغاضي
الرّيحُ مافَتِئَت تُسافِرُ خَلفَ وُجهَتِها، وتَسخَرُ من تَضاريس الجِهات
وعَناصِرُ الأحلامِ تَستَجدي جَراءَتها لتَثأَرَ للصِّفاتِ مِنَ الصِّفات
ومِنَ البَعيدِ مُضَرَّجًا بِسُكونِهِ يَأتي الكَلامْ
الكُلُّ يَخضَعُ للمَصيرِ فَقط مَتى وَقَعَ المصير
في الحلمِ مُتَّسَعٌ لكلِّ عَناصِرِ الوَهمِ الذي ارتَكَبَ الأساطيرَ العَنيدَة..
في الصَّمتِ مُتَّسَعٌ لكلِّ مواسِمِ الوجَعِ العَتيدة..
في النّورِ مُتَّسَعٌ لكُلِّ مُجَنَّحٍ يَنأى لتَبقى روحُ عَودَتِهِ عَقيدَة
تَتَشابَهُ الأوقاتُ حينَ يَصيرُها لونُ الذُّهول.
تَتَمازَجُ الأنفاسُ حينَ تَفِرُّ مِن شَبَحِ الذُّبول.
طِفلٌ وأمنيَةٌ يَصيرُ بنا المدى…
لو كانَ للزّبَدِ البَعيدِ حَنينُنا…
يا ايُّها الحبُّ الذي يَحتَلُّنا..
أعماقُنا مَلَّت سُدى تَرحالِنا…
قامَت لتَطعَنَ مَوتَها صَمتًا لتولَدَ مِن جَديد…
مَن مَلَّت الشّمسُ ارتِحالَ ظنونِهم؛ يَتَسابَقون الموجَ مِن تيهٍ لِتيه.
لن يحفَظَ الزَّبَدُ الرّقيقُ تَوُجّعي يَومًا لأنّي كُنتُ أعشّقُ أن أكونَ بلَونِهِ..
كلُّ المواسِمِ لمحَةٌ تَحتَلُّ لمعَةَ لَونِها لِتَموت!
للمَوتِ مُتَّسَعٌ بِساحاتِ السَّراب..
وهُناكَ للعُشاقِ باب..
جِئناكَ يا ليلَ التّراجيعِ الحَزينةِ… واشتَهَينا أن نَكونَك..
فَزِعَت إلَيَّ مَدينَتي…
ونسيتُ أن أبكي ضَحاياها لأنّي تُهتُ عن لُغَتي…
لأكتُبَ فوقَ جُدرانِ السّدى شِعرَ الحنين
سأمارسُ الأشواقَ في وَضَحِ الرَّحيل..
والبُعدُ يوغِلُ بي…
وإلى الغِيابِ تُعيدُني شكوى الغِياب.
كنّا سَنابِلَ…
كيفَ يا وَجَعي احتَوانا ليلُ غربَتنا فُرادى؟!
وعلى مواجِعِنا تُراوِدُنا رياحٌ أورَثَتنا سرَّ هدأتِها المُخاتِل.
والأرضُ حُبلى لا تَزالُ…
وصدرُها مهوى المَطَر
الأرضُ حُبلى لا تَزالُ…
ويَسرِقُ الطّوفانُ صحوَتَها ليُعلِنَها عقيمَة!
الأرضُ حُبلى…
باعَةٌ للموتِ فيها يَعرِشونَ…
ووَمضَةٌ للبَرقِ ودَّت أن تَخونَ الفجرَ لو كانت تَخون..
الأرضُ حُبلى…
نَزفُها، طوفانُها، نَهرٌ…
ويَصخَبُ شارِعٌ ليلاً ليَنسَلَّ الجُنون.
لن تَفهَموا ما تَكتُبُ الأرياحُ، أو تَحكي النّجوم!
لا يَحفَظُ اللّغَةَ الرّصيفُ إذا تَقَزَّمَ عابِروه..
لا تَحكِ لي شيئًا، وخلِّ النّهرَ يَعتَنِقُ الجَليد..
لا تَحكِ لي… ودَعِ المَفارِقَ تستَعيدُ من البَعيدِ رُؤى البَعيد.
مُستَنقَعُ اللّغَةِ الطّريدَة ظَلَّ عُنوانُ الطّريد..
لا يَرسُمُ الطوفانُ أمنيَةً يُحقِّقُها؛ ويُبدِئُ كي يُعيد…
كَم أغرَقَ الطّوفانُ عاشِقَهُ لينتَصِفَ الوَعيدُ من الوَعيد..
فلتُخمَدِ النّيرانُ إن كانَت تَسُلُّ على الرّعودِ صدى الرّعود…
الأرضُ حُبلى… صَدرُها الموعودُ بالألوانِ لا يَخشى المَحيل..
ألقَحتُ صَمتي زَهرَةَ اللّغَةِ المُطِلَّةِ من جِبالِ المُستَحيل…
وصَعَدتُ مُمتَشِقًا جراحاتِ الرّحيلِ بِوَجهِ مَوجاتِ الرّحيل
اللّيلُ أرسِمُهُ ابتِسامَ شروقِهِ…
والفَجرُ جسري، والدّليلُ على الدّليل…