لطالما شكَّل البُعد الجغرافي عاملًا محوريًا في صياغة موازين القوى والنزاعات المسلحة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط بمساحاتها الشاسعة وتضاريسها المتعرِّجة، لكن المشهد اليوم يشهد تحولًا جذريًا، فبينما كانت السيطرة على الأرض تُقاس بعدد الدبابات والجنود، أصبح التفوق العسكري يُحدَّد بالقدرة على اختراق الشبكات الرقمية، وتوجيه الصواريخ الذكية، وإدارة المعارك من على شاشات الحواسب.
إيران وإسرائيل.. اختراق الحدود دون عبورها
أثبتت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة داخل العمق الإيراني أن “المسافة” لم تعد درعًا يحمي الدول. فباستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ موجهة بالذكاء الاصطناعي، نجحت تل أبيب في ضرب أهداف إستراتيجية دون الحاجة إلى غزو بري أو حتى طائرات مأهولة. هذه السيناريوهات لم تعد خيالًا علميًا، بل واقعًا يُعيد تعريف مفاهيم الردع والهجوم.
أوكرانيا.. المختبر الأكبر للحروب الذكية
يقدم الصراع الأوكراني نموذجًا أكثر تعقيدًا، حيث تحوَّلت ساحات القتال إلى فضاءات افتراضية تسيطر عليها الخوارزميات. الهجمات السيبرانية على البنى التحتية، والطائرات المسيّرة التي تحدد مصير المعارك، وتقنيات التضليل الإلكتروني — كلها عوامل جعلت المواجهات التقليدية ثانوية. السؤال الآن: هل باتت “القوة الذكية” هي البديل عن “القوة الصلبة”؟
مفاتيح التفوق في العصر الرقمي
التطورات الأخيرة تكشف أن المعادلة العسكرية الجديدة تقوم على ثلاثة أركان، وهى السيطرة الرقمية فمن يتحكم في البيانات وشبكات الاتصال يملك زمام المبادرة، والأسلحة ذاتية التحكم مثل الطائرات المسيّرة والأنظمة الروبوتية تقلص الخسائر البشرية وتزيد الدقة، والحرب السيبرانية مثل اختراق أنظمة الخصم الذى أصبح أشد فتكًا من القصف المدفعي.
توصيات للعالم العربي: كيف نلحق بالقطار؟
في ظل هذه التحولات، تواجه الدول العربية فجوة تكنولوجية تهدد أمنها، رغم مواردها المالية، ويجب عليها الآن الاستثمار المحلي في التكنولوجيا الدفاعية، وإنشاء مراكز أبحاث متخصصة في الذكاء الاصطناعي والفضاء السيبراني، والدخول فى شراكات إستراتيجية، والتعاون مع دول رائدة في المجال التقني (مثل الصين أو كوريا الجنوبية) لتبادل الخبرات، وحماية البنى التحتية الرقمية، وتطوير أنظمة دفاع سيبراني متطورة لحماية المنشآت الحيوية، وإعداد كوادر مستقبلية**: تدريب العسكريين والمدنيين على إدارة الحروب اللامادية.