انتهى موسم الحصاد في سوريا خلال شهر يوليو الماضي بصورة وصفتها تقارير دولية بـ”الصعبة”، بعدما تراجع إنتاج الحبوب إلى نحو 1.2 مليون طن فقط، أي أقل بأكثر من 60% من متوسط السنوات الخمس الماضية. هذا الانخفاض الكبير يعكس حجم الأزمة الزراعية التي تمر بها البلاد، إذ اجتمعت عوامل المناخ القاسي مع الاضطرابات الداخلية لتضع المزارعين في مواجهة واحدة من أصعب المواسم منذ عقود.
موسم بلا مطر كافٍ
بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، فإن الأمطار التراكمية بين نوفمبر 2024 ومايو 2025 كانت أقل من المتوسط بنحو 50%، وهو أدنى مستوى يُسجَّل خلال السنوات العشر الأخيرة. وقد أدت هذه الظروف إلى تراجع الغطاء النباتي في شمال وشرق سوريا، حيث تتركز زراعة القمح والشعير، كما أسهمت موجات الحرّ المتكررة في تقليص إنتاجية الأرض وإجبار المزارعين على حصاد مبكر للمحاصيل قبل اكتمال نضجها.
فجوة غذائية واسعة
الحبوب، وعلى رأسها القمح، تُعتبر العمود الفقري للأمن الغذائي السوري، حيث يقدَّر الاستهلاك المحلي السنوي بنحو 4 ملايين طن. وبالنظر إلى الإنتاج الحالي البالغ 1.2 مليون طن فقط، تواجه البلاد فجوة تُقدَّر بأكثر من 2 مليون طن يجب تغطيتها عبر الاستيراد. لكن في ظل أزمة العملة وصعوبات التمويل وسلاسل الإمداد، فإن استيراد هذه الكميات قد يتحول إلى تحدٍ استراتيجي أمام الحكومة السورية خلال الأشهر المقبلة.
تداعيات إنسانية واقتصادية
الأزمة لم تقف عند حدود الأرقام والإحصاءات، بل انعكست بشكل مباشر على حياة المواطنين. أسعار الخبز والدقيق ارتفعت في الأسواق المحلية، بينما باتت تكلفة الأعلاف عبئًا إضافيًا على مربي الماشية الذين اضطر كثير منهم إلى تقليص أعداد قطعانهم بسبب غياب المراعي الطبيعية وارتفاع أسعار الشعير. كما أن ضعف الإنتاج الزراعي قلّص من دخل آلاف الأسر الريفية التي تعتمد على المحاصيل الموسمية كمصدر أساسي للمعيشة.
مقارنة عالمية
المفارقة اللافتة أن هذه الأزمة المحلية تأتي في وقت يُتوقع فيه أن يسجل الإنتاج العالمي من الحبوب لعام 2025 مستوى قياسيًا يقترب من 2.9 مليار طن، وفق بيانات «فاو». أي أن وفرة الحبوب عالميًا لا تعني بالضرورة توافرها محليًا، خاصة في دول تعاني من أزمات داخلية مركبة مثل سوريا. وعلى الرغم من تراجع أسعار الحبوب عالميًا خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن الاستفادة من ذلك مرهونة بقدرة دمشق على تأمين قنوات تمويل وشحن تضمن وصول الكميات المطلوبة إلى السوق.
مستقبل مقلق وتوصيات
تُحذّر تقارير دولية من أن استمرار هذه الظروف المناخية القاسية قد يجعل من “مواسم الصفر” واقعًا متكررًا في سوريا. ويوصي خبراء بضرورة الإسراع في اعتماد خطط طارئة لتأمين واردات القمح وتقديم دعم عاجل للمزارعين الأكثر هشاشة عبر توفير البذور والأسمدة، إلى جانب الاستثمار على المدى المتوسط في أنظمة ريّ أكثر كفاءة وحصاد مياه الأمطار.
أزمة موسم 2025 في سوريا تكشف عن هشاشة المنظومة الزراعية أمام تغير المناخ واضطرابات الداخل. وبينما يتوفر العالم على وفرة من الحبوب، تقف سوريا أمام معادلة صعبة: فجوة غذائية كبيرة، موارد مالية محدودة، وملايين المواطنين الذين يتهددهم خطر الجوع إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة.