تتقاطع في مشهد غزة الراهن ثلاثة مسارات متعارضة: جيش إسرائيلي متوجس من اجتياح مكلف، وحكومة متشددة تصر على الحسم العسكري، ومجتمع دولي وحقوقي يحذر من كارثة إنسانية جديدة. وبين هذه الأطراف، تبقى حياة الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين رهينة الحسابات السياسية.
أولاً: خلافات إسرائيلية حادة
بحسب صحيفة هآرتس (الإسرائيلية، 25 أغسطس 2025)، أبلغ الجيش الحكومة أنه يدعم استنفاد المفاوضات مع حماس قبل أي عملية كبرى في مدينة غزة، محذراً من أن تدمير المدينة بالكامل “سيستغرق عاماً على الأقل”.
رئيس الأركان إيال زامير عرض خطة تسمح بوقف القتال فور إبرام صفقة تبادل، لكنه أكد أن “حياة الأسرى في خطر إن بدأ الغزو”.
في جولة له بقاعدة حيفا البحرية، قال زامير إن الجيش “هيأ الظروف لإتمام صفقة ستيف ويتكوف المعدلة”، ملمحاً إلى أن القرار بيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (القناة 13 الإسرائيلية).
بالمقابل، صادق وزير الدفاع يسرائيل كاتس على خطط الغزو، مهدداً بتحويل غزة إلى “مصير رفح وبيت حانون” (تصريحات كاتس – القناة 12).
الخلافات بلغت حد المشادة الكلامية بين زامير ووزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش في اجتماع أمني مصغر (هآرتس).
ثانياً: عائلات الأسرى تضغط
عائلات الأسرى الإسرائيليين رحبت بموقف زامير، وأصدرت بياناً قالت فيه: “رئيس الأركان يعكس مطلب غالبية الشعب: صفقة شاملة تعيد أبناءنا وتنهي الحرب” (القناة 13).
وتقدّر إسرائيل أن لدى حماس نحو 50 أسيراً بينهم 20 أحياء، في حين تحتجز في سجونها أكثر من 10,800 فلسطيني وسط اتهامات حقوقية بالتعذيب والإهمال الطبي.
ثالثاً: الموقف الدولي والحقوقي
الأمم المتحدة
المتحدث باسم الأمين العام أنطونيو غوتيريش شدد على أن أي عملية واسعة “ستفاقم الكارثة الإنسانية”، داعياً إلى وقف إطلاق النار فوراً (بيان الأمم المتحدة – 24 أغسطس 2025).
مجلس حقوق الإنسان حذّر من أن الاجتياح “قد يشكل جريمة حرب جديدة” (تقرير المجلس – جنيف).
منظمات حقوقية
هيومن رايتس ووتش وصفت تهديدات نتنياهو وكاتس بـ”التدمير الشامل” الذي يرقى إلى الإبادة الجماعية (بيان المنظمة – 23 أغسطس).
العفو الدولية شددت على أن تهجير المدنيين “خرق سافر للقانون الدولي” (Amnesty Report 2025).
اللجنة الدولية للصليب الأحمر حذرت من أن استمرار الحرب “يهدد حياة الأسرى من الطرفين” (بيان جنيف – 22 أغسطس).
أصوات سياسية غربية
نواب تقدميون في الكونغرس الأميركي دعوا بايدن للضغط على نتنياهو، محذرين من “مغامرة عسكرية فاشلة” (وكالة AP).
وزير خارجية إسبانيا وصف خطة الاحتلال بأنها “إمعان في تدمير غزة” (وكالة EFE الإسبانية).
الخارجية الفرنسية دعت إلى “عودة عاجلة للمفاوضات” (فرانس برس).
نائب المستشار الألماني أكد أن “المخاوف الأمنية لا تبرر معاقبة المدنيين بشكل جماعي” (DW الألمانية).
رابعاً: موقف حماس
في بيان رسمي، اتهمت حركة حماس نتنياهو بـ”إفشال جهود الوسطاء”، مشيرة إلى أنها وافقت على مقترح يشمل:
وقف إطلاق نار لـ60 يوماً.
إعادة انتشار القوات الإسرائيلية قرب الحدود.
تبادل على مرحلتين: 10 أسرى أحياء و18 جثماناً إسرائيلياً مقابل أسرى فلسطينيين.
بدء ترتيبات تهدئة دائمة منذ اليوم الأول.
وقالت الحركة إن “وقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد لإعادة الأسرى”، محمّلة نتنياهو المسؤولية عن مصيرهم (القناة 12 العبرية).
خامساً: الكارثة الإنسانية
وفق وزارة الصحة في غزة ومنظمات إنسانية (أغسطس 2025):
62,686 شهيداً.
157,951 جريحاً، معظمهم نساء وأطفال.
أكثر من 9,000 مفقود.
مئات الآلاف من النازحين.
289 وفاة بسبب المجاعة، بينهم 115 طفلاً.
والخلاصة أن غزة اليوم ليست مجرد ساحة حرب، بل ساحة اختبار لإسرائيل داخلياً وخارجياً.
داخلياً: جيش واقعي يواجه حكومة متشددة.
خارجياً: ضغوط أممية وحقوقية متصاعدة تتحدث عن جرائم حرب وإبادة.
إنسانياً: شعب محاصر يدفع الثمن الأكبر في مأساة غير مسبوقة.
الاحتلال يلوّح بالاجتياح، والجيش يحذّر من الكلفة، والمجتمع الدولي يرفع الصوت. وبين كل ذلك، تبقى حياة الأسرى، ومستقبل غزة، معلّقين على قرار سياسي واحد: الحرب أم الصفقة؟.