سير وشخصيات

“الحاكم بأمر الله”.. الشيعي المجنون الذي حكـمَ مصر

رغم فسادهِ وادّعاء الألوهية؛ كان صاحب القرار التاريخي الأعظم الذي غـيّرَ وَجه مصر، ولم يجرؤ أي حاكم قبله أن يفعله.

 

الحاكم بأمر الله: هو المنصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن عبيد الله المهدي

 (895م – 1021م)

– تولّى حُكم مصر، يوم (29 رمضان 386هـ/ في الفترة من: (19 أكتوبر 996م – 19 فبراير 1021م)

– وُلِدَ في مصر، وخلفَ والده (العزيز بالله الفاطمي) في الحُكم، وكان عمره 11 سنة، وتكنّى بأبي علي، وهي كنية أخذها بعد ميلاد ابنه (علي).. فقام رجال أبيه بتدبير شؤون الدولة: “براجون” و”الحسن بن عمارة”، فلما اشتد ساعد “الحاكم” قتلهما، حتى لا يشاركه أحد في الحُكم، فكانت هذه أول أعماله الخبيثة، لكن بعض المؤرخين تعاطفوا مع الحاكم في قتلهما، بسبب فسادهما، وما أحدثاه من فِتَن ومؤامرات، بالإضافة إلى استصغارهما للحاكم بأمر الله، والاستهزاء به، وكان “برجوان” فاسدا مفسدا، ويعتبر نفسه الحاكم الحقيقي..يتحكّم هو ورجاله في الجيش وشؤون الدولة.

– كان صوت “الحاكم بأمر الله” جهيرا مرعبا، وعيناه واسعتان تميلان للون الأحمر القاني، مضطرب السلوك والتصرفات، (مريض نفسي) وقيل كان مجنونا.

– اتّسمت فترة حُكمه بالتوتر، فقد كان على خلاف مع العباسيين، ومع القرامطة، ومع عائلته، ومع الشعب المصري الذي كان يكرهه

– الحاكم بأمر الله، أو كما قال المؤرخون: الحاكم بأمر الشيطان.. فهو الضال المُضلّ، الزنديق، مُدّعي الربوبية،

الخليفة الفاطمي السادس، والإمام الإسماعيلي السادس عشر.

– اشتهر “الحاكم” باستسهاله سفك الدماء، قبل أن يصل عمره لـ 15 سنة، وقـدّر بعض المؤرّخين عدد قتلاه بحوالي (18 ألف قتيل)، فكان يفتك دائمًا بوزرائه، (بيفكرني بمجنون كوريا) ويقتلهم شر قتلة، فيُعـيّن أحدهم في منصبه صباحًا، ثم يقتله ليلا ويعـيّن آخر، فلا تمضي فترة بسيطة إلا والمُعيّن الجديد يتخبّط في دمه، وقد قتل من العلماء والكتاب ووجهاء الناس ما لا يُحصى عدده.

ادّعاء الألوهية:

– تمادَى “الحاكم بأمر الله” في طريق الضلال، وفي سنة 408هـ، جاء إلى مصر، أحد دعاة الدروز، ويُدعى (محمد بن إسماعيل الدرزي)، واتصل بالحاكم بأمر الله، فأنعم عليه، ودعا الدرزي الناسَ إلى القول بألوهية الحاكم بأمر الله، فأنكر الناسُ عليه ذلك، ونجح أحد الأتراك الذين كانوا يعيشون في مصر، في قتل هذا الدرزي الكافر.

– لم تمض سنة، حتى ظهر آخر، اسمه: (حمزة بن أحمد)، وتلقّبَ بالهادي، وأقام بمسجد خارج القاهرة، ودعا إلى نفس دعوى الدرزي، وبث دعاته في مصر والشام، وترخّص في أعمال الشريعة، وأباح زواج المحارم، وأسقط جميع التكاليف في الصلاة والصوم، ونحو ذلك، فاستجاب له خلقٌ كثير، فظهر من حينئذ: (المذهب الدرزي) ببلاد صيدا وبيروت وساحل الشام.

– في ذلك يقول الإمام والمؤرّخ السيوطي: (إنَّ الحاكم بأمر الله أَمَـرَ الرعية إذا ذكره الخطيب على المنبر أن يقوموا على أقدامهم صفوفًا إعظامًا لذِكره، واحترامًا لـ اسمه، فكان يفعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين الشريفين، وكان أهل مصر خاصةً إذا قاموا خَـرّوا سُـجّـدًا، حتى إنه يسجد بسجودهم مَن في الأسواق وغيرهم)

– يقول المؤرخ المصري (ابن تغري بردي) عن حاكم مصر الشيعي الزنديق (الحاكم بأمر الله)، إنه كان يفعل الشيء على مراحل لجسّ النبض، قبل أن يفرض ما يريده، فقبل ادّعاء الألوهية، طلب أن يقوم الناس عند ذِكر اسمه في دعاء خطبة الجمعة في المساجد، فلم يعترض أحد من المصلين خوفا، ثم أمر أن ينحنوا بعد الوقوف، ثم أمر أن يسجدوا بعد الوقوف والركوع، وعندما لم يعترض أحد، أمر أن تسجد الناس خارج المساجد عند ذِكر اسمه، ولم يعترض أحد في مصر خوفا.. وهكذا حتى ادّعى الألوهية..

تناقضات الحاكم بأمر الله:

– كانت شخصية الحاكم متناقضة، متضادة، وكان كثير التلـوّن في أفعاله وأحكامه وأقواله، ولذا تميز عهده بغرابة أطواره، وبقوانينه العجيبة، مثل تحريمه أكل الملوخية، وقراره الغريب العجيب بأن يعمل الناس ليلا، وينامون نهارًا.

– عندما تولّى الحُكم كان عمره 11 سنة، وبعد 4 سنوات من توليه الحُكم، في سنة 1000، أصدر أمرا بإقامة صلاة التراويح في مصر، ثم فجأة ومن دون مقدمات، أصدر أمرًا بتجريم صلاة التراويح، وقتل من يصليها، وقال المقريزي ‏إنه في سنة 399هـ، أمر الحاكم بـقتل الإمام “رجاء بن أبي الحسين” لأنه صلى التراويح ‏في شهر رمضان، ثم أصدر الحاكم بأمر الله أمرا مفاجئا بإقامة صلاة التراويح، ولم تمر السنة حتى منعها، ثم أصدر قرارا جديدا قبل وفاته بإقامتها….

موته:

– وصل شر وجنون الحاكم بأمر الشيطان لأهل بيته وأخته «سِتّ المُلك» تحديدًا حيث اتهمها بالفاحشة، وهددها بالقتل، فدبّرت قتله مع أحد الأمراء، واسمه «طليب بن دوّاس» واتفقا على الفتك به أثناء خروجه ليلة 27 شوال سنة 411هـ، فكلّفَ «طليب» اثنين من عبيده أن يترصّدا للحاكم أثناء خروجه لرؤية منازل القمر والأبراج، حيث كان الحاكم المجنون شغوفًا بالنظر في النجوم، وكان يتحرّك بمفرده، من دون حراسة، وبالفعل قام العبدان بذبح الحاكم في 27 شوال سنة 411هـ، ومات الزنديق الكافر مدّعي الألوهية، وظل رجال الدولة يبحثون عنه عدة أيام، ثم أعلنوا موته بعدها، وفرحَ الناس بموته فرحًا شديدًا..

(توجد عدّة روايات في طريقة موته واختفائه، منها ما كان يردده أهل مصر في ذلك الزمن، بأن صاعقة من السماء حرقته، وهو على دابته في الصحراء ينظر للنجوم ليلا، بسبب كفره، وادّعاء الألوهية، وذَكرَها بعض المؤرخين)

– ما زالت بعض الفِرق الضالة مثل البهرة، والشيعة الإسماعيلية تقـدّسه، وتراه “المهدي المنتظر” الذي سيأتي آخر الزمان، ويقوم “البهرة” بأداء مناسك حجّهم داخل هذا المسجد!

ولو ذهبتَ لمسجد الحاكم بأمر الله في القاهرة، سترى عجبا،

– لكن يبقى أخطر وأهم قرار اتّخذه الحاكم بأمر الله، ولأن الله ينصر دينه بالبَرّ والفاجر، فقد أصدرَ “الحاكم بأمر الله” قرارا تاريخيا مُدهشا عجيبا، في أوائل القرن الـ11، وتحديدا في سنة 1002م، باعتبار اللغة العربية هي اللغة الرسمية لمصر، وتجريم استخدام اللغات الأخرى، وقتل من يتحدث بتلك اللغات، وكانت مصر قبل الحاكم بأمر الله، فيها 4 لغات: السريانية، واليونانية، والقبطية، والعربية التي يتحدث بها المسلمون، فالمسيحيون يتحدثون القبطية (الفرعونية) ويرفضون استخدام العربية، وطوائف المتعلمين والمثقفين والدولة العميقة في مصر ما بين اليونانية والسريانية،

ولم يجرؤ أي حاكم مصري قبل الحاكم بأمر الله أن يصدر هذا القرار الذي غيّرَ وجه مصر.

– حَقا.. (ومِن الجنون ما يفيد)

——————-

يسري الخطيب

يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights