بدأت الوثيقة الهزيلة المرسلة عبر تطبيق الواتساب قولها بـ : تأتي دعوة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني لفتح حوار وطني مفتوح في سياق سياسي متأزم، حيث تتصاعد الخلافات وتتجاوز حدود التنافس المشروع إلى نزاعات حول قواعد اللعبة السياسية نفسها، بل وحول التعايش بين مكونات المجتمع.
وبحسب الباحث الموريتاني المتخصص في الشئون الإفريقية سلطان البان فإن هذه الدعوة، التي يُنظر إليها على أنها “فرصة تاريخية”، تقدم نفسها كخارطة طريق لتعزيز التوافق الوطني ونبذ الفرقة، لكنها في جوهرها تعاني من ضعف فني واضح، وتظل حبيسة الخطاب الإنشائي العام الذي لا يمس صلب الأزمات ولا يقدم حلولاً عملية.
ويري البان في تغريدة له علي منصة إكس “إن إدارة الحوارات الوطنية في الدول التي تعاني من الانقسامات، مثل موريتانيا، تتطلب أكثر من مجرد دعوات عامة إلى التوافق. فالحوار الناجح يعتمد على بروتوكولات واضحة، وآليات دقيقة للتشاور، وتحديد واضح للمشاركين، وضمانات فعلية لتنفيذ المخرجات.

وعاد البان سنوات للوراء قائلا مثلا في تونس 2013–2014 بعد الربيع العربي، واجهت تونس أزمة سياسية حادة. قادت منظمات المجتمع المدني ما عرف ب “المجموعة الرباعية” حواراً وطنياً واسعاً شمل النقابات والأحزاب السياسية.
وقد نجح الحوار في التوصل إلى دستور جديد وتجاوز الأزمة السياسية، وحصلت المجموعة الرباعية على جائزة نوبل للسلام عام 2015 تقديراً لدورها في تحقيق الاستقرار.
بالمقابل، فإن الوثيقة الموريتانية تكتفي بذكر محاور عامة مثل “الأهداف والنتائج المتوقعة”، و”الموضوعات ذات الأولوية”، و”تحديد المشاركين”، و”المنهجية”، و”آلية المتابعة”، دون أن تقدم تفاصيل عملية أو ضمانات فعلية.
في تجارب دولية أخرى، مثل جنوب أفريقيا بعد نهاية الفصل العنصري، اعتمدت الدولة على آليات متقدمة للحوار الوطني، تضمنت لجاناً متخصصة، وجداول زمنية محددة، ومؤشرات أداء واضحة لقياس التقدم، لأن الحوارات الوطنية في مجملها تحتاج إلى هذه الآليات اللازمة،
أما في موريتانيا، فإن الوثيقة المعروضة كخارطة طريق تفتقر إلى هذه الأدوات الفنية، وتكتفي بطرح محاور عامة دون تحديد المسؤوليات أو المواعيد أو آليات التنفيذ.
وفيما يتعلق بإدارة الحوار يظهر ضعف القيادة السياسية في إدارة الحوار من خلال غياب الإطار الفني والمؤسسي الذي يضمن جودة النقاش ونجاعة المخرجات.
فبدلاً من أن تكون الوثيقة أداة فنية تساهم في حل الأزمات، تتحول إلى مجرد بيان سياسي عام، مليء بالكلام العائم حول “التوافق” و”نبذ الفرقة”، دون أن تمس جوهر المشكلات أو تقدم حلولاً عملية.

وعدد البان مظاهر الضعف في الوثيقةأولها افتقادها خطة عمل محددة، ولا مسؤوليات واضحة، ولا مواعيد زمنية للإنجاز، ركزّت الوثيقة على الخطاب الإنشائي: الكلام عن “فرصة تاريخية” و”تعزيز الاستقرار” يبقى عاماً وغير قابل للقياس.
كما أنه لا توجد ضمانات حقيقية لتنفيذ مخرجات الحوار، ولا آليات واضحة للتقييم رغم هشاشتها.
كما سيكرس الحوار إقصاء بعض الفاعلين في الساحة الموريتانية علي رأسهم بعض مكونات المعارضة ذات الوزن الثقيل و المجتمع المدني الفعّال والمحايد والطبقة الناقدة المثقفة من عملية الحوار، لا شك أنه يضعف شرعيته وفاعليته.
لذا فإن تحويل الحوار الوطني إلى أداة فنية فعالة يتطلب الانتقال من الخطاب السياسي العام إلى خطط عمل دقيقة، وبروتوكولات واضحة، وآليات متابعة وتقييم. الوثيقة الحالية، رغم نيتها الحسنة، تبقى أسيرة الإنشائية السياسية، ولا تمثل أداة حقيقية لتجاوز الأزمات السياسية والاقتصادية.
ويتطلب النجاح في هذا المسار يتطلب إشراك خبراء متخصصين، واعتماد منهجية علمية في تحليل الأزمات، وبناء ثقة حقيقية بين الأطراف، وضمانات فعلية لتنفيذ المخرجات. فقط عندها يمكن للحوار أن يكون أداة للاستقرار والتقدم