
دخل جيش الاحتلال في الأسبوع الخامس لتنفيذ عملية “السور الحديدي” في الضفة الغربية، بدأت في طولكرم وشملت مخيمات جنين، وامتدت إلى محافظة طوباس، وخاصة طمون ومخيم الفارعة، وذلك بعد قرار المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) بإضافة بند تعزيز الأمن في الضفة الغربية إلى أهداف الحرب.
ويعتبر وزراء في الحكومة الإسرائيلية العام الحالي هو عام ضم الضفة الغربية وفرض السيادة عليها.
وقام جيش الاحتلال بعمليات قتل وتهجير واعتقالات واقتحامات يومية وتدمير البنى التحتية والمنشآت العامة، مما شكل تهديدا خطيرا للوجود الفلسطيني في تلك المناطق، حيث استشهد 60 فلسطينيا، واعتقل أكثر من 220، إضافة إلى عمليات التهجير التي طالت عشرات آلاف الفلسطينيين، ونفذ الاحتلال نحو 14 غارة جوية خلال العملية التي يشارك بها نحو 10 آلاف جندي من عناصر الجيش.
ويقول خبراء فلسطينيون إن هناك رغبة جامحة لدى اليمين الصهيوني في الوصول إلى تحقيق هدفه في ضم الضفة، عبر كسر الحواجز واستثمار المناخات التي خلقتها الحرب في المنطقة، ويظهر ذلك جليا من خلال “استخدام الطيران والقصف الجوي والاغتيالات والتجريف وطحن البيئة الجغرافية الفلسطينية والتغول ضد كل ما هو فلسطيني تحت مزاعم ملاحقة التهديد”.
وفقا لتقرير نشرته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” قبل نحو أسبوع، فقد أدت عملية السور الحديدي إلى تشريد نحو 40 ألف فلسطيني وأسفرت عن إفراغ العديد من مخيمات اللاجئين من سكانها تقريبا، مضيفا أن عمليات جيش الاحتلال المتكررة والمدمرة جعلت مخيمات اللاجئين في شمال الضفة غير صالحة للسكن.
وصادق الكنيست في 29 يناير على قانون بالقراءة التمهيدية يجيز للمستوطنين شراء وتملك الأراضي في الضفة الغربية.
ووصف الصحفي في يديعوت أحرونوت اليشع بن كيمون القانون بأنه يلغي فعليا القانون الأردني “قانون تأجير وبيع العقارات للأجانب” رقم 40 الصادر عام 1953، الذي يحظر شراء الأراضي في الضفة الغربية من قبل الأجانب الذين لا يحملون الجنسية الأردنية أو العربية”، معتبرا التغيير في القانون من شأنه تعزيز الاحتلال الإسرائيلي للأراضي بالضفة.
واعتبرت حركة “السلام الآن” أن مشروع القانون “سيعطي حفنة من المستوطنين المتطرفين الفرصة لشراء الأراضي، ومن ثم إنشاء المستوطنات، سواء في قلب الخليل أو في أي مكان آخر”.
وفي أحدث القوانين التي تفسر الرغبة الجامحة لضم الضفة الغربية، وافقت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع في الكنيست، الأحد الماضي، بالقراءة الأولية على مشروع قانون يهدف إلى تغيير تسمية “الضفة الغربية” في التشريع إلى “يهودا والسامرة”.
كما أعلنت الحكومة الإسرائيلية في عام 2023 ضم المواقع الأثرية الفلسطينية إلى ما يسمى سلطة الآثار الإسرائيلية.
وذكرت نوعا شبيغل، في مقال نشرته صحيفة هارتس في السابع من يوليو/ 2024، أنه يوجد أكثر من 3200 موقع أثري في الضفة الغربية، غالبية هذه المواقع تقع ضمن المناطق المصنفة “ج”، وهناك المئات منها في المناطق “ب”.
وشهد النصف الثاني من عام 2024 بناء 7 بؤر استيطانية جديدة في المناطق المصنفة “ب”، في خرق واضح لأول مرة لبنود اتفاقية أوسلو الموقعة في عام 1995، التي تنص على أن المناطق “ب” تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية الكاملة بما في ذلك سلطة التخطيط والبناء، ولإسرائيل السيطرة الأمنية في هذه المناطق”.
وأشارت إلى أن العام الماضي شهد بناء 52 بؤرة استيطانية في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وأن ما أقيم من هذه البؤر الاستيطانية بالمناطق المصنفة “ب” تقدر نسبته بأكثر من 13% من إجمالي عدد البؤر الاستيطانية بالضفة الغربية المحتلة.
وذكر تقرير لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن الحكومة الإسرائيلية بدأت خلال العام الماضي عملية شرعنة 10 بؤر استيطانية، إضافة إلى الـ14 التي بدأت عملية شرعنتها في العام الماضي. في الوقت نفسه، أنشأ وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش “مسار شرعنة التفافيا” لـ 70 بؤرة استيطانية، الذي بموجبه سيتم توفير الميزانيات وبناء المباني العامة في البؤر الاستيطانية غير القانونية.
كما سحبت إسرائيل الصلاحيات الإدارية للسلطة الفلسطينية في المناطق “ب”، تحديدا في برية وبادية بيت لحم التي تمثل ما نسبته 3% من مساحة الضفة الغربية وحولتها لتتبع الإدارة المدنية الإسرائيلية، وذلك بسحب صلاحيات السلطة التخطيطية ومنعها من منح تراخيص بناء جديدة وهدم المبني بها، إضافة للمباني القريبة من المواقع الأثرية بمناطق “ب” والمقدرة بحوالي 600 موقع.
و منعت إسرائيل الفلسطينيين البناء والتنمية في مناطق “ج” التي تمثل 60% من مساحة الضفة الغربية، والضغط على السكان للتهجير والنزوح، حيث يبلغ عدد سكان المنطقة “ج” والأغوار حوالي 300 ألف فلسطيني.
وتم قطع حوالي 10 آلاف شجرة مثمرة في عام 2024 من قبل المستوطنين، كما هدم 904 منازل ومنشأة خلال العام نفسه، ووصلت اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال إلى 16 ألفا و612 اعتداء، منها 3 آلاف اعتداء مستوطنين، وتسببت باستشهاد 10 مزارعين فلسطينيين برصاص المستوطنين، من أصل 552 استشهدوا في 2024.
ووصل حجم مصادرة الأراضي في العام ذاته إلى 46 ألفا و597 دونما، إضافة لإعلان الاحتلال عن مصادرة 24 ألف دونم تحت مزاعم أنها أراضي دولة، وهي أكبر عملية مصادرة للأراضي منذ احتلال الضفة الغربية في 1967″.
وقرر وزير الجيش الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في منتصف يناير2025 إلغاء أوامر الاعتقال الإداري ضد عدد من المستوطنين في الضفة الغربية والإفراج الفوري عنهم في إطار تعزيز وتشجيع الاستيطان، وفق بيان صادر عنه نشره موقع يديعوت أحرونوت.
وقال شهود عيان أن “المستوطنين تحولوا إلى ميلشيات مسلحة داخل الحكومة الإسرائيلية وبرعاية كاملة لهم مع تملكهم للسلاح. من بين كل 3 مستوطنين في الضفة الغربية هناك مستوطن يحمل السلاح، وحصلوا على دعم لوجستي وطائرات مسيرة وسترات واقية، بهدف الوصول إلى مشروع إقامة دولة يهودا في الضفة”.
وأعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في 14 أغسطس/ من العام الماضي تخصيص 148 فدانا من الأراضي للمستوطنة الجديدة “ناحال حيلتس”، المقرر بناؤها غرب بيت لحم، التي تتعدى على موقع بتير الفلسطيني المدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
وذكر تقرير لحركة “السلام” الآن تحت عنوان “2024 في الضفة الغربية.. عام الضم والتهجير” نشر في 21 يناير/ الماضي أنه “في عام 2024، هدمت الإدارة المدنية وبلدية القدس عددا قياسيا من المباني (1280) في الضفة الغربية والقدس الشرقية بسبب عدم الحصول على ترخيص بناء”.
ويرى المختص في شؤون الاستيطان جمال جمعة أن كل ما يجري في الضفة الغربية هو بداية تنفيذ الضم، حيث قاموا في 2022 بوضع الخريطة الجيوسياسية للضم وقاموا بكل ما يلزم من أجل ذلك، كما أخذوا من ترامب في ولايته الأولى تعهدات بشرعنة عملية الضم.
كما تم سحب الصلاحيات المتعلقة بالمستوطنات من الجيش وتم تسميتها “إدارة الاستيطان” ولا تتبع الإدارة المدنية، بل تخضع مباشرة لوزارة سموتريتش ويترأسها يهودا الباهو، وهو شريك سموتريش في تأسيس منظمة ريغافيم الاستيطانية.
ونقلت الاستشارات القانونية للإدارة المدنية من الجيش إلى فريق من المحامين تحت إشراف سموتريتش شخصيا.
غطاء أمريكي
وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 21 يناير/ 2025 أمرا رئاسيا يلغي العقوبات المفروضة على المستوطنين الإسرائيليين المتورطين في أعمال عنف ضد الفلسطينيين، متراجعا بذلك عن قرار سلفه جو بايدن.
ونشرت صحيفة “إسرائيل هيوم” في نوفمبر الماضي، أن ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي الجديد، هو “مؤيد قوي لإسرائيل، لا يحتاج إلى شرح أي شيء عن مشاكلنا. يعرفها واحدة واحدة. روبيو هو صقر مفترس، سيقف بالتأكيد إلى جانب إسرائيل حتى في القضية الفلسطينية”.
ولفتت الصحيفة إلى أن الوزير الأميركي لا يقول “الأراضي” أو “الضفة الغربية”، بل “يهودا والسامرة”، في حين صرح السفير الأميركي المعين في إسرائيل مايك هوكابي، وهو مسيحي إنجيلي صهيوني، عام 2015، بأن “مطالبة إسرائيل بمنطقة يهودا والسامرة أقوى من مطالبة الولايات المتحدة بمانهاتن”.