حواراتسلايدر

رضا بودراع: الكيان الصهيوني خسر المعركة في كل الساحات

 

حوار: رباب محمد

مازالت شرائح واسعة في الأمة تعاني انفصاماً غريباً في الوعي يفرق بين أشلاء أطفال غزة في مشفى المعمداني وبين أشلاء أطفال إدلب في مزارع الزيتون.

خلال متابعتنا لتسليم «كتائب القسام» للأسرى رأينا عجباً الابتسامات الودودة والتوديع اللطيف والشكر والتمني بالسلامة من كلا الطرفين، والعرض عسكري؛ تبادل الأسرى يضع الكيان الصهيوني في مأزق جديد بسبب تصريحات المفرج عنهم الهادمة لرواياته، من ناحية أخرى بقي من الأسرى الجنرالات والضباط وكتائب القسام تطالب بقياداتها المعتقلين لدى الاحتلال. لمناقشة التطورات أجرت جريدة الأمة حواراً مع الكاتب والباحث الإستراتيجي رضا بودراع مؤلف كتاب «استرتيجيات الصراع العالمي.. نحو فهم طبيعة الصراع القادم» وأحد أهم كُتّاب «جريدة الإمة الإلكترونية».

ماهي الرسائل الذي تريد قوله كتائب القسام خلال ما نراه في عمليات التبادل برأيكم؟

يمكن القول إن الكيان الصهيوني خسر على جميع الأصعدة، في ساحات الميدان وفي ساحات الوجدان وحقوق الإنسان أيضاً؛ كانت الصورة التي سوقها الكيان والإعلام المتصهين في أمريكا وأوروبا أن كتائب القسام وأهل غزة حيوانات ووحوش كما صرحت قيادات الاحتلال؛ وها هي البروباغندا الشريرة تنهار خلال الهدنة وعمليات تسليم الأسرى وكانت الصدمة!

فالأسرى في حالة جيدة رغم القصف الوحشي، مما يدل على كفاءة القسام في حمايتهم رغم استيعابه في العمليات القتالية، وكانت الصدمة للعالم أيضاً حين رأوا أن علاقةً إنسانية مشحونة بالعاطفة تشكلت بين الأسرى وعناصر القسام رغم ظروف الحرب وبالرغم من اختلاف اللغة والدين!

وهذا يبين حجم الإجرام الإنساني للكيان الصهيوني في برمجة أبناء شعبه على الكراهية والعنصرية المقيتة، والتي سرعان ما انهارت أمام منظومة القيم العالية لدى القسام رغم أنهم في حالة حرب! الحقيقة أن القسام لم يمارسوا القيم فحسب بل مارسوا الدعوة إلى الله بكل رحمة وهم يصدون هجماتٍ في منتهى القسوة.

المقاومة تسلم الأسرى للصليب الأحمر

هل سنشهد تتغيراً في معادلة إطلاق الأسرى بعد الآن؟

تغير ظروف الهدنة لا تغير من نتائج المعركة الكبرى؛ الكيان يقول: بقي 144 هم من الجنود والضباط، والقسام يريد تبادل أسرى بجثامين من جنود الاحتلال لكنه قوبل بالرفض لحد الآن؛ وأمريكا تريد تمديد الهدنة لغاية الإفراج عن جميع الأسرى. وبإمكان الكيان قتل الفلسطينيين دون أن يرتجف له جفن، يبدو هذا غريباً لكن هذا هو تصريح بلينكن اليوم 30/11/2023 الهدنة لازالت هشة وهناك خروقات من جانب جيش الكيان وقد تنهار في أي لحظة خصوصاً وأن مجلس الحرب لم يتفق بعد على تمديد الهدنة من عدمه، مما جعل القسام يستنفر على كل الأصعدة..

 ونلاحظ أنَّ الكيان يشعر بتأزم مع كل إفراج عن أسرى فلسطينيين لأن القسام يحسن استغلاله ليعلي من رصيده في حاضنته وباقي العالم الحر، في حين أن الكيان يستقبل أسراه بحالة من الحسرة وطعم من الهزيمة، هذا ما يجعل نفسية قادتهم متشنجة أمام تمديد الهدن والاستمرار في صفقات تبادل الأسرى، لكن الوضع يفرض عليهم ذلك، وقد يعميهم التأزم فيقدمون على الحرب مرة أخرى لتكون نهايتهم بإذن الله.

ما مدى صمود الرأي العام للشعوب في حالة طول الصراع؟

الحقيقة أن الأمة لاتزال تقاوم باختلاف الساحات ومستويات الصراع وعلى جميع الأصعدة، إيمانياً فكرياً سياسياً عسكرياً واقتصادياً، والأمة في عمومها تنصر قضاياها المركزية وعلى رأسها الدين والمقدسات كالأقصى وما حدث في غزة خير دليل، فتفاعل الأمة معها ونصرتها لم يأت من فراغ ولا يشبه تعاطف الشعوب الأخرى. نصرة الأمة متصلة في الزمن من ساحة لأخرى، من أفغانستان وأرخبيل الفلبين إلى الساحل الإفريقي. فهي لازالت في نصرة لقضاياها ولاتزال تُرَاكِم في الوعي منذ إسقاط الخلافة قبل أكثر من قرن، فطول مدة الحرب في غزة قد يفتر معها الإعلام لكن لا تفتر الأمة من نصرتها للأقصى وقضاياها المركزية.

هل تتوقع ردود نوعية من المقاومة؟

فعل المقاومة من بدايته في 7 أكتوبر عالي النوعية من العمليات العسكرية إلى المفاوضات والتعامل مع الأسرى لحد الآن ومع ذلك فالقسام لم يدخل الحرب بكامل طاقته فجهده الرئيسي لم يتم استخدامه بعد

إذ أن تقديرات العدو نفسه ترى أن القسام لم يستخدم إلا ما بين 30 إلى 40% من تعداد المقاتلين عنده، أما السلاح فقد أبدت المقاومة جهوزية وكفاءة عالية، إذا التوقع بعمليات أكثر نوعية إذا تجددت الحرب وارد جداً إن لم يكن في حكم المؤكد، وهذا ما يخيف العدو ويردعه أيضاً.

وليس علينا أن ننسى أن الهدنة وتبادل الأسرى هي أيضا عمليات عسكرية وضمن ساحة الحرب، والعدو يدرك ذلك، فإذا رأى أنه يخسر في هذه المعركة فسيحاول تغطية ذلك بالذهاب إلى العمليات الخشنة، والحقيقة أنه لا يحسن إلا ذلك، فليس له أي خطة ولا رؤية للخروج من الحرب، ولا يتبقى له إلا الضغط بجنون على أزرار الصواريخ لكن ذلك سيؤزمه مع حلفاءه من جهة أخرى.

لذلك هو الآن فعلاً في فخ، ولا يعرف كيف يخرج منه، وفي رأيي إن العبقرية العسكرية في أن يجد القسام مخرجاً له، كيف بالضبط لا يمكنني أن أفصل في ذلك، لكني متيقن من أن القسام يستطيع فعلها. يستطيع القسام رسم السيناريو الذي يريده لنفسه وأيضا للعدو إذا أتقن فن الحرب.

المقاومة الفلسطينية

حسب توقعاتك لأي مدى ستصمد الإدارة الأمريكية في مساندتها للكيان؟

التصريحات الرسمية تؤكد الدعم المطلق، لكن القدرة على ذلك أمر مختلف وتحكمه إكراهات عديدة تعاني منها الإدارة الأمريكية،

أولها: الحالة الاقتصادية لأمريكا نفسها فهي جد صعبة.

ثانيا: الضغط الأوروبي على أمريكا في الملف الأوكراني وهنا نرى ضعف الأخيرة في إدارة أكثر من جبهة مشتعلة.

ثالثاً: التنافس مع الصين يؤزم أمريكا على مستوى المؤسسات والهيئات الدولية خاصة على مستوى الملف الإنساني والالتزام بالقانون الدولي.

رابعاً: فقدان المتعاملين الاقتصاديين الكبار للثقة في أن أمريكا قادرة على حماية التجارة الدولية خاصة البحرية بعد استهداف الحوثي لبعض السفن التجارية.

وخامساً: لا زالت باقي ساحات الأمة مشتعلة وتضغط على أمريكا وحلفاءها كسوريا والعراق واليمن وليبيا والساحل الإفريقي. كل ذلك وغيره من العوامل يجعل أمريكا في وضع شلل استراتيجي غير مسبوق والذهاب قدما في غزة بنفس السلوك الأول سيزيدها تأزماً.

ماذا يعني تمديد الهدنة لفترة طويلة؟

هذا يعني أمران: الأول أنَّ الكيان أعلن هزيمته، والثاني أن المقاومة بين خيارين استغلال الوضع رغم الآلام والمخاطر والانتقال لعملية التحرير الشاملة فتفاجئ العدو مرة أخرى وستكون صدمته أكبر من عملية 7 أكتوبر؛ أو الذهاب لتسويات سياسية وفخ عقود الإعمار إلى أن يسترجع العدو وحلفاءه عافيتهم، ثم يهدمون البيوت التي عمرت فوق رؤوسهم مرة أخرى وطوفان آخر.

ما هو أثر كل ما حدث في غزة خلال الشهرين الماضيين صمود كتائب القسام ودك دبابات الكيان وخطابات الناطق الرسمي للكتائب على وعي وخيال الأمة الإسلامية؟

يجب أن يستقر من الوعي الذي خلقه طوفان الاقصى عند عموم الأمة ونخبها وينبغي أن يصبح حديث العامة والخاصة فلا يغيب بالتسويات السياسية وعقود الإعمار بعدما أثخنوا فينا بعقود الهدم ما يلي:

أولاً: أن الأمة كانت ولم تزل في مواجهة مباشرة مع أمريكا وحلفاءها وأنها هي الاحتلال الحقيقي وأن الكيان الصهيوني مجرد جسم غريب نائب عنها.

ثانياً: الأنظمة العربية ليست جزءً من أمة الإسلام ولا شريكة في مشروع التحرر، بل هي مُكوّن أساس في بنية هذا الاحتلال، وهي نائبة عنه في تثبيت ذات الاحتلال على الأمة.

ثالثاً: انكشاف وظيفية محور الممانعة، سواء كان من إيران وأذرعها (من المليشيات العراقية والحوثي في اليمن وحزب اللات في لبنان) أو الأنظمة التي تدور فلكها (كسوريا والجزائر وتونس) ما هو إلا محور المخادعة والخذلان، وأن سلوكه العسكري يأتي دائماً برضى وتوجيه القوى الغازية.

وأن الغرض منه اختطاف ورقة الأقصى للتفاوض بها على مصالحه ومكانته في المنظومة الدولية المهيمنة العدوة، وورقة يناور بها المستبدون لامتصاص غضب الشعوب الإسلامية.

رابعاً: انكشاف خطورة تقنيات فصل الملفات وتجزئة الصراع في الساحات، والذي ترتب عنه تجزئة غريبة للمبادئ والمفاضلة الغير العادلة بين دماء المسلمين، فمازالت شرائح واسعة في الأمة وبعض الجماعات تعاني انفصاماً غريباً في الوعي يفرق بين الاحتلال في غزة والاحتلال في إدلب، وبين أشلاء أطفال غزة في مشفى المعمداني وبين أشلاء أطفال إدلب في مزارع الزيتون.

خامساً: إن قمة الثبات وحجم التضحيات لا يعكس بالضرورة مستوى الوعي المطلوب لإدارة التدافع الشامل لصد الهجمة الشاملة.

سادساً: أمة الإسلام قادرة على صد أي هجمة مهما تفاضلت القوى. وأن الوعي المطلوب يقتضي حتماً، بناء تحالف شامل لكل مراكز القوى الحية في كل ساحات التدافع للأمة الإسلامية، لصد الهجمة الشاملة لقوى الكفر والشر في العالم.

مقاتلو المقاومة يأسرون جنود من الصهاينة في طوفان الأقصى

ماذا تقول في النهاية كان تصورتك لتداعيات المعركة ؟

طوفان الأقصى شكل مخيالاً تحررياً جديداً عالي السقف لدى عموم الأمة والشعوب المستضعفة في العالم وما هي إلا بضع سنوات قليلة حتى يتحول المخيال إلى قناعات ثم تترجم لسلوك تحرري شامل وغداً لناظره قريب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى