في لحظة تاريخية حبلى بالوعود والخيبات، أشرقت الثورة الإيرانية عام 1979 كالشهاب، وظنّ المسلمون أن شعلة جديدة انطلقت لتحيي روح الإسلام وتواجه الاستبداد والهيمنة الغربية.
لكن سرعان ما انطفأ بريق الأمل، وظهرت الحقيقة: مشروع مذهبي مغلق، يتدثر بعباءة الإسلام، ويستهدف تمزيق الصفّ لا جمعه. هنا ارتفع صوت الداعية والمفكر السوري سعيد حوى، حادًّا صارخًا، في كتابه الشهير: “الخمينية: شذوذ في العقائد شذوذ في المواقف”، ليعلن للأمة أن ما جرى لم يكن سوى “نكسة وخيبة أمل خطيرة”.
المؤلف وسياق الكتاب
سعيد حوى (1935–1989) أحد أبرز أعلام الإخوان المسلمين في الشام، وصاحب المؤلفات الشهيرة: جند الله ثقافة وأخلاقًا، الأساس في التفسير، وغيرها. عُرف بصدقه الدعوي ووضوح رؤيته الإصلاحية، وبإصراره على أن نقاء العقيدة هو الشرط الأول لأي نهضة. عايش بداية الثورة الإيرانية بانبهار، لكنه ما لبث أن اكتشف عبر اللقاءات والوقائع أن ما يُبنى في طهران ليس “دولة الإسلام”، بل دولة طائفية تُعيد إنتاج المشروع الفارسي في ثوب جديد.
شذوذ في العقائد
خصّص حوى القسم الأول لنقد الأسس العقدية للخمينية، فاعتبرها خروجًا صارخًا عن الإسلام الصحيح:
الغلو في الأئمة ورفعهم إلى مقام العصمة.
القول بتحريف القرآن وإسقاط بعض آياته.
الطعن في السنة النبوية والتشكيك في الصحابة الكرام.
مخالفة الإجماع وتوظيف الدين لخدمة السياسة.
وفي وصفه الصادم قال:
“كانت الخمينية تبنّي كل العقائد الشاذة للتشيّع عبر التاريخ… فكانت نكسة كبيرة وخيبة أمل خطيرة.”
شذوذ في المواقف
أما القسم الثاني من الكتاب فجاء ليكشف تناقضات الخمينية السياسية ومغامراتها التي دفعت الأمة إلى حافة التمزق:
التحالفات المتناقضة: “وجدنا تحالفًا عجيبًا بين إيران وليبيا، وبين إيران والغرب، ومع الاتحاد السوفييتي… وكل ذلك يتناقض مع ما صرّح به الخميني ابتداءً.”
إشعال الحرب مع العراق (1980–1988): حرب استنزفت ملايين الأرواح، وأهدرت مليارات الدولارات، وعرقلت مسيرة التنمية العربية لعقد كامل. وقد رأى حوى أن الخميني هو من بادر بتهديد العراق، قائلاً:
“أموال الأمة الإسلامية… ذهبت ضحية هذه الحروب، فأفقدتنا قدرتنا على التنمية.”
الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبو موسى): شاهدٌ آخر على أن المشروع ليس “إسلاميًا جامعًا” بل فارسي توسّعي، يستهدف فرض الهيمنة على الخليج.
الخلافات مع العرب: من البحرين إلى لبنان، ومن سوريا إلى اليمن، تمدّدت الخمينية حيث استطاعت، مستخدمة أدواتها الطائفية والسياسية، تحت شعار “نصرة المستضعفين”، بينما الحقيقة أنها كانت ترسّخ مشروعًا مذهبيًا يفرّق ولا يوحّد.
الحوثيون: أداة الخمينية في اليمن
وفي العقود الأخيرة، برز الحوثيون في اليمن كأبرز أدوات المشروع الإيراني. دعمتهم طهران بالمال والسلاح والخبرات العسكرية، حتى تحولوا إلى قوة انقلابية أشعلت الحرب الأهلية ودمّرت مؤسسات الدولة. لم يكن هدفهم “نصرة المستضعفين” كما يزعمون، بل زرع الفوضى على حدود الجزيرة العربية، واستنزاف المنطقة لصالح التوسع الفارسي. لقد جسّد الحوثيون عمليًا ما حذّر منه سعيد حوى منذ عقود: تحويل التشيع السياسي إلى رأس حربة ضد وحدة المسلمين وأمنهم.
شيعة العراق وكوارثهم
أما في العراق، فقد انكشفت المأساة على نحو أكثر دموية. فبعد سقوط بغداد عام 2003، تحوّل النفوذ الإيراني عبر الميليشيات الشيعية إلى قوة مدمرة فتكت بأهل السُّنة بالقتل والتهجير والاعتقال. كربلاء والنجف صارت منصات لتصدير الطائفية، وميليشيات الحشد الشعبي صارت أذرعًا لإيران في قمع شعب العراق. لقد رأى حوى أن الخمينية مشروع يزرع الانقسام والاقتتال بين أبناء الأمة، وما جرى في العراق كان أبلغ شاهد على صحة تحذيره المبكر.
استدعاء التاريخ
يستحضر سعيد حوى ذاكرة التاريخ ليؤكد أن ما يحدث اليوم امتداد لنهج قديم، فيشير إلى تحالف بعض القوى الشيعية مع الغزاة عبر العصور، قائلاً:
“نصير الدين الطوسي… عمد إلى إبادة الخلافة العباسية!”
وكأن التاريخ يعيد نفسه، لكن بأدوات جديدة وواجهات حديثة.
صرخة الختام
في خاتمة الكتاب، يطلق حوى نداءه الحادّ:
“ما الخمينية إلا تبنٍّ لعقائد الشيعة الشاذة… فخدَع بعض الناس فيها وظنّوا أنها دولة الإسلام… فكانوا ضحيّة السراب.”
ويضيف:
“إن بعض من نفترض عندهم الوعي لم يدركوا خطر الخمينية… ونناشد أهل العلم أن يطلقوا أقلامهم ضدها.”
أهمية الكتاب اليوم
الكتاب لم يكن مجرد ردّ على حدث عابر، بل وثيقة فكرية مبكرة فضحت طبيعة المشروع الخميني، الذي تحوّل لاحقًا إلى ما بات يُعرف في الأدبيات السياسية بـ”المشروع الفارسي” في المنطقة. من الحرب العراقية – الإيرانية إلى احتلال الجزر الإماراتية، ومن دعم الحوثيين في اليمن إلى تغذية الميليشيات الطائفية في العراق ولبنان، جاءت وقائع العقود الأربعة الماضية لتؤكد صدق رؤية سعيد حوى وتحذيراته المبكرة.
يبقى كتاب “الخمينية: شذوذ في العقائد شذوذ في المواقف” نصًا تأسيسيًا في فضح المشروع الخميني، يجمع بين التحليل العقدي الدقيق والنقد السياسي الجريء، ويُذكّر الأمة أن النهضة لا تُبنى على الشذوذ العقدي ولا على المغامرات السياسية، وإنما على نقاء العقيدة ووحدة الصفّ. وهو بذلك ليس مجرد كتاب من الماضي، بل شاهد على حاضرنا، ورسالة متجددة لمستقبلنا.