يشكّل كتاب «أمريكا المتدينة الجديدة» للباحثة الأمريكية ديانا إيك دراسة رائدة في فهم التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع الأمريكي على الصعيد الديني والثقافي. ورغم أن الدستور الأمريكي يقوم على العلمانية، فإن الولايات المتحدة تظل من أكثر الدول انغماسًا في التدين والتنوع الروحي، حتى غدت التعددية الدينية إحدى سماتها الجوهرية.
مضمون الكتاب
ترى إيك أن الولايات المتحدة لم تعد قائمة على خلفيتها البروتستانتية والكاثوليكية وحدها، بل تحولت خلال العقود الأخيرة إلى لوحة فسيفسائية تضم مسلمين وهندوسًا وبوذيين وسيخًا إلى جانب المسيحيين واليهود بمذاهبهم المختلفة. هذه الظاهرة لم تعد استثناءً، بل أصبحت واقعًا يوميًا في المدن الكبرى والضواحي حيث تتجاور المساجد والكنائس والمعابد.
وتلفت المؤلفة النظر إلى أن التدين الأمريكي لا يقتصر على الأديان التقليدية، بل يشمل أنماطًا جديدة من الروحانية، من التأمل واليوغا، إلى حركات البحث عن الذات ومعنى الحياة في مجتمع مادي سريع الإيقاع.
فصول الكتاب وأبرز القضايا
1- خريطة التعددية الدينية في أمريكا: رصد انتشار المساجد والمعابد البوذية والهندوسية في قلب الولايات المتحدة.
2- الدين والسياسة: تحليل التأثير المباشر للدين في الحملات الانتخابية وخطابات الرؤساء وصناعة القرار.
3- المجتمع المدني والتعايش: مناقشة التحديات التي واجهها المسلمون والأقليات الدينية خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر.
4- التدين الفردي والبحث عن المعنى: دراسة النزعات الروحانية الحديثة بعيدًا عن المؤسسات التقليدية.
5- المستقبل الديني لأمريكا: تساؤل حول قدرة المجتمع الأمريكي على التوفيق بين التعددية الدينية وقيم الديمقراطية.
أهمية الكتاب
إعادة اكتشاف أمريكا: فهو يكشف الوجه الديني للولايات المتحدة، بعيدًا عن الصورة النمطية كرمز للعلمانية والمادية.
فهم السياسة الأمريكية: الدين حاضر بقوة في القرارات والسياسات، ما يجعل فهمه ضرورة لفهم واشنطن.
تأكيد مكانة المسلمين والأقليات: باعتبارهم جزءًا أصيلًا من النسيج الديني الأمريكي.
إسهام في حوار الحضارات: يفتح آفاقًا لفهم متبادل بين العالمين الإسلامي والغربي.
المؤلفة
ديانا ل. إيك أستاذة الدراسات الدينية بجامعة هارفارد، كرّست جهودها البحثية لدراسة التعددية الدينية في أمريكا، وقادت مشروعًا بحثيًا ضخمًا بعنوان “المبادرة التعددية” لتوثيق التحولات الدينية منذ السبعينيات. كتابها هذا هو خلاصة عقود من البحث الميداني والأكاديمي.
البُعد السياسي والفكري
يضع الكتاب القارئ أمام سؤال محوري: هل الولايات المتحدة أمة مسيحية، أم دولة علمانية، أم أرض للتعددية الدينية؟. هذا السؤال لا يقتصر على المجال الثقافي، بل يمتد إلى القضايا السياسية المرتبطة بالهجرة والمواطنة والسياسة الخارجية، وخاصة تجاه العالم العربي والإسلامي.
مقارنة مع الفكر العربي
يوازي كتاب ديانا إيك في الغرب جهود مفكرين عرب ومسلمين تناولوا العلاقة بين الدين والمجتمع:
محمد عمارة بحث في قضية التعددية الإسلامية وكيفية إدارة الخلافات المذهبية، مؤكدًا على وحدة الأمة.
عبد الوهاب المسيري قدّم تحليلات معمقة حول “العلمانية الجزئية والشاملة”، وبيّن أثر الدين في تشكيل الوعي الغربي رغم ادعاء الحياد.
أما الشهرستاني في كتابه «المِلل والنِّحل»، فقد رسم خريطة للأديان والمذاهب في عصره، بما يشبه عمل إيك لكن في سياق تاريخي مختلف.
هذا التقاطع يبرز أن قضية التعددية الدينية شأن إنساني مشترك، وإن اختلفت ظروفه ومظاهره بين الشرق والغرب.
«أمريكا المتدينة الجديدة» ليس كتابًا في علم الاجتماع الديني فحسب، بل هو مرآة تكشف عن المجتمع الأمريكي في عمقه الثقافي والسياسي. إنه دعوة إلى قراءة الولايات المتحدة من منظور جديد، حيث يصبح الدين أحد المفاتيح الأساسية لفهم حاضرها ومستقبلها.