في الساعات الأخيرة، شهدت إندونيسيا تحولًا لافتًا في مسار الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد. فبعد أيام من الغضب الشعبي والاحتجاجات التي اجتاحت شوارع العاصمة جاكرتا وعدد من المدن الكبرى،
اضطر الرئيس برابوو سوبينتو إلى التراجع عن واحدة من أكثر القرارات إثارة للجدل في الأسابيع الماضية: منح النواب بدل سكن شهري ضخم بلغت قيمته نحو ثلاثة آلاف دولار.
هذا الامتياز الذي وُصف في الأوساط الشعبية بأنه “استفزاز صريح للفقراء” جاء في وقت يواجه فيه ملايين الإندونيسيين ضغوطًا اقتصادية خانقة بسبب ارتفاع الأسعار وتباطؤ النمو.
وبدل أن يمر القرار بهدوء، تحول إلى شرارة أشعلت موجة غضب هائلة، خصوصًا بعد وفاة سائق توصيل شاب في حادث مأساوي مع قوات الأمن خلال واحدة من المظاهرات.
مقتل الشاب فجّر المشهد تمامًا، ودفع الآلاف للنزول إلى الشوارع في مسيرات غاضبة اتسعت رقعتها بسرعة. الهتافات لم تعد مقتصرة على المطالبة بإلغاء الامتيازات،
بل طالت مجمل السياسات الحكومية، متهمة السلطة بعدم الاكتراث لمعاناة المواطنين. ومع تصاعد الأحداث، سجلت التقارير سقوط ستة قتلى على الأقل، واندلاع أعمال نهب وحرق استهدفت منازل شخصيات حكومية، بينها منزل وزيرة المالية.
وسط هذه الفوضى، لم يجد الرئيس برابوو خيارًا سوى التراجع. في مؤتمر صحفي متلفز، أعلن عن إلغاء بدل السكن المثير للجدل، وتعليق جميع الرحلات الخارجية الرسمية للنواب، مؤكدًا أن حكومته “تستمع لصوت الشعب”.
وتسعى لتهدئة الأوضاع. لكنه في الوقت نفسه وجّه تحذيرات شديدة اللهجة ضد من وصفهم بـ”المخربين”، ملمحًا إلى أن الجيش لن يتردد في التدخل إذا تحولت الاحتجاجات إلى ما يشبه “التمرد”.
رغم هذا التراجع، لا يبدو أن الغضب الشعبي قد هدأ. فما زالت المظاهرات مشتعلة، وما زال الشارع متوجسًا من أن تكون هذه القرارات مجرد محاولة مؤقتة لامتصاص الغضب، لا تغييرات جذرية في نهج الحكم.
وبينما تتأرجح البلاد بين دعوات للتهدئة وتخوفات من انفجار أكبر، يترقب الجميع ما إذا كان هذا التراجع الرئاسي بداية لحوار أوسع مع الشعب، أم مجرد استراحة قصيرة في مسار أزمة قد تتعمق أكثر في الأيام المقبلة.