لعل المشهد الذي صورته هذه القمة التي انعقدت بدول الخليج ابتهاجا بزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أقرب ما يكون في تصويرها بعد أن تسابق زعماء الخليج في إلقاء مئات المليارات من الدولارات على رأس ترامب، لفيلم “الفرح” الذي قام ببطولته الفنان خالد الصاوي، ويحكي الفيلم قصة عدد من الباحثين عن المتعة الحرام الذين كانوا يتنافسون في تلبية شهواتهم وفخرهم وبطولاتهم المزيفة بما يمتلكونه من المال.
تزامن هذا الفرح الخليجي مع الذكرى ٧٧ للنكبة الفلسطينية، وقد استفاد الكل وربح في هذه القمة. الأمريكيون بما جنوه من مئات المليارات من الدولارات وشركة بوينج الأمريكية التي حصلت على 200 مليار دولار بعد تعاقد قطر على شراء 160 طائرة، وشركة غوغل وشركات الذكاء الاصطناعي، وملوك وأمراء الخليج بتثبيت أركان عروشهم بعد شراء الرضا الأمريكي، وحتى سوريا برفع العقوبات، وإسرائيل أيضا ربحت من خلال حديث ترامب عن ضم دول جديدة للاتفاقات الإبراهيمية وقد تكون السعودية وسوريا أول المطبعين الجُدد.
ولم تجد مزاعم بعض القنوات الفضائية وعلى رأسها قناة “الجزيرة” لم تجد آذانا تعي أو تقنع المشاهد العربي المكلوم، بأن هذه الزيارة صفعة على وجه بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، وقد رد ترامب صراحة في الإجابة على أسئلة الصحفيين بأن سيعمل على تحرير الرهائن، والمضي في فرض سياسة التطبيع.
و تجنب المجتمعون إدانة اسرائيل أو مطالبتها بوقف حرب الإبادة في غزة بل حتى لم يتفق المجتمعون على آلية لدخول المساعدات لغزة جبرا على إسرائيل، وكان الخاسر الأكبر هي القضية الفلسطينية وشعبها.
اُستقبل ترامب بالجمال في الدوحة وانتقل فورًا إلى القصر الذي وصفه بأنه “رخامي مثالي”.. هذه الحفاوة التي يلقاها من السعودية إلى قطر ثم إلى أبو ظبي تعكس براجماتية ترامب وتخليه عن المحرمات الأمريكية في السياسة الخارجية.
وأثارت الطائرة المجانية المحتملة – هدية قطر له- قلق حتى بعض أشد مؤيدي ترامب حماسة، الذين تساءلوا عما إذا كانت قوة أجنبية تشتري طريقها إلى قلب الرئيس في شكل ترف باهظ الثمن.
تطابق نهج ترامب مع نهج ملوك منطقة الخليج، الذين يدركون بشكل متزايد أن ترامب يكون في أسعد حالاته عندما يعقدون معه صفقات، سواءً كانت تجارية أو أمنية أو طائرات 747 فاخرة كهدايا.
ووقّعت قطر يوم الأربعاء صفقة لشراء ما وصفه ترامب بأنه 160 طائرة بوينج – وكان هناك بعض الغموض حول العدد – بينما تباهى الرئيس الأمريكي قائلاً: “هذا رقم قياسي”.
الرابحون والخاسرون
يقول حسين إبيش، زميل مقيم أول في معهد دول الخليج العربية بواشنطن: “جميع الخليجيين يُحبّون التعامل مع ترامب. من السهل فهم دوافعه. إنها بنية أبوية. إنه الرجل الأهم، وكل شيء يتمحور حوله… وهكذا يتحركون أيضًا”.
وقال إيبيش في مقال بصحيفة ” واشنطن بوست” الأمريكية، إن الملوك في منطقة الخليج “لا يميزون بين مصالحهم الشخصية ومصالحهم الوطنية”.
وتتماشى محطات ترامب في هذه الرحلة – من المملكة العربية السعودية إلى قطر إلى الإمارات العربية المتحدة – بشكل أنيق مع البلدان التي وقع أبناؤه فيها صفقات تجارية في الأسابيع الأخيرة نيابة عن منظمة ترامب، وهي شركة عائلية، وشركة World Liberty Financial، وهي شركة للعملات المشفرة بدأت في سبتمبر 2024 والتي شارك في تأسيسها أبناء ترامب وزاك ويتكوف، أحد أبناء مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف.
ويقول البيت الأبيض إن ترامب يعاني من خسائر مالية نتيجة توليه الرئاسة، وإنه لم يعد له أي دور في أعمال عائلته.
لكن قد تكون قطر في طليعة الدول التي تستخدم سخاءها لتحسين وضعها مع ترامب.
أصبح الزعيم الأمريكي الآن أكثر انفتاحًا على تجربة سياسات غير تقليدية،وأبدى انفتاحًا على دمج العمل الرسمي مع أنشطة تعزز مصالح عائلته التجارية، بدءًا من عملة ترامب “ميم” وصولًا إلى فيلم وثائقي عن ميلانيا ترامب دفعت أمازون 40 مليون دولار ثمنه.
وفي حالة سوريا، مثّل نهج ترامب ارتياحًا مرحبًا به لدى مؤيدي استراتيجية جديدة تجاه دمشق. فقد ضغطوا لإنهاء العقوبات التي قالوا إنها تضرّ بلا داعٍ ببلد بدأ للتوّ يتخلص من 14 عامًا من الحرب الأهلية.
قال ترامب للصحفيين على متن طائرة الرئاسة خلال رحلة استغرقت ساعة من السعودية إلى قطر إن اللقاء مع الشرع كان “رائعًا”. وأضاف ترامب أن الشرع “شاب وجذاب. رجل قوي. ماضٍ قوي. ماضٍ قوي جدًا. مقاتل”.
قال ترامب إن الشرع “لديه فرصة حقيقية للحفاظ على تماسكه”. “إنه قائد حقيقي. لقد قاد الهجوم، وهو مذهل”.
وفي اجتماع لقادة مجلس التعاون الخليجي في الرياض يوم الأربعاء، أشار ترامب إلى أن إعلانه مساء اليوم السابق عن نيته رفع العقوبات عن سوريا قوبل بتصفيق حار وأكبر تصفيق في تلك الليلة.
وقال ترامب عن المنطقة بأسرها: “لقد رأيت تقدمًا كبيرًا. العالم بأسره يراقب الشرق الأوسط”.
امتد اجتماع الأربعاء مع الشرع لأكثر من نصف ساعة، وفقًا للبيت الأبيض. استضاف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الاجتماع، بينما اتصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الفيديو. أنهى ترامب يوم الثلاثاء العقوبات المفروضة على اقتصاد البلاد والتي كانت تهدف إلى الضغط على نظام الديكتاتور السوري بشار الأسد، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد لعقود قبل الإطاحة به في ديسمبر.
ووضع ترامب إيران أمام خيار، مُحذرًا من أنه لن يسمح لها بتطوير سلاح نووي، ولكنه أعلن أيضًا عن انفتاحٍ مُذهلٍ على إعادة تشكيل العلاقات مع طهران إذا أبرمت اتفاقًا.
قال ترامب يوم الأربعاء في الدوحة: “لقد كان وضعًا مثيرًا للاهتمام حقًا. لدي شعورٌ بأن الأمور ستنجح”. وكان قد أخبر القادة السعوديين في اليوم السابق أنه فيما يتعلق بطهران، “لم أؤمن قط بوجود أعداء دائمين. أنا مختلفٌ عما يعتقده الكثيرون”.
ترامب صرّح بأنه لا داعي لقلق إسرائيل. “هذا أمر جيد لإسرائيل، أن يكون لها علاقة مثل التي أتمتع بها مع هذه الدول، دول الشرق الأوسط، جميعها تقريبًا.”
وفي النهاية أعجب ترامب بالعمارة الشاهقة المحيطة به عند وصوله إلى الديوان الأميري القطري. وقال: “إن العمل الذي قمتم به لا مثيل له. انظروا إلى هذا، إنه جميل للغاية. كشخص متخصص في البناء، أرى رخامًا مثاليًا. هذا ما يسمونه “البرفيكتو”.