يعيش أكثر من مليون لاجئ من مسلمي الروهينجا في دائرة أزمات متشابكة، يتصدّرها الجوع، والعزلة السياسية، وغياب الحلول الجذرية. وبينما يستمر صمت العالم، تنذر تحذيرات المنظمات الدولية بحدوث كارثة إنسانية وشيكة، خصوصًا داخل مخيمات اللاجئين في بنغلاديش، في ظل نقص تمويلي حاد، واستغلالٍ متزايد لقضيتهم في صراعات سياسية محلية وإقليمية.
أزمة تمويل خانقة تهدد أرواح الآلاف
في آخر تحذير صدر عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة، أُعلن أن برامج الإغاثة الخاصة بلاجئي الروهينجا في بنغلاديش تواجه خطر الانهيار بسبب فجوة تمويلية تصل إلى نحو 1 مليار دولار حتى نهاية عام 2025.
وأكدت المفوضية أن الخدمات الحيوية، مثل توفير الغذاء والمياه والرعاية الصحية، مهددة بالتوقف تدريجياً بحلول سبتمبر وديسمبر إذا لم يتم سد هذا العجز (المصدر: رويترز، 11 يوليو 2025).
يعيش أكثر من 900 ألف لاجئ روهينجي في مخيمات منطقة كوكس بازار، وهي الأكبر من نوعها في العالم، في ظل ظروف إنسانية متردية وصفها تقرير سابق للأمم المتحدة بأنها “لا تليق بالبشر”، وسط اعتماد شبه كامل على المساعدات الدولية، التي بدأت بالتراجع بشكل مقلق منذ عام 2023.
في الهند: الروهينجا بين التشكيك السياسي والتحريض الإعلامي
على الجانب الآخر، أثار الجدل حول الروهينجا جدلاً سياسيًا واسعًا في الهند، وتحديدًا في ولاية البنغال الغربية، بعد تصريحات أطلقها زعيم المعارضة “سوفيندو آذيكاري”،
أعلن فيها صراحةً رفضه إدراج أي “لاجئ روهينجي أو مسلم بنغلاديشي غير شرعي” في قوائم الناخبين، متوعدًا بمنع ذلك بأي وسيلة (المصدر: The New Indian Express، 21 يوليو 2025).
تصريحاته جاءت كرد على اتهامات لحكومة الولاية بزعامة “ماماتا بانيرجي” بتسهيل إدراج الروهينجا في القوائم الانتخابية. وردّت الأخيرة متهمةً المعارضة بنشر “دعاية عنصرية”،
وطالبت بتقديم دليل فعلي على وجود “1.7 مليون روهينجي” في الولاية، كما يروّج خصومها (المصدر: Times of India، 20 يوليو 2025).
هذا الجدل يعكس تصاعد الخطاب القومي في الهند، ويكشف كيف أصبحت قضية اللاجئين ورقة انتخابية تستخدم في صراعات سياسية داخلية، بعيدًا عن البعد الإنساني الذي يفترض أن يحكم التعامل مع هذه الفئة المهمّشة.
داخل ميانمار: عودة المأساة إلى نقطة الصفر
في ميانمار، حيث الجذور العميقة للمأساة، لا تزال معاناة الروهينجا مستمرة بلا أفق للحل. تشير تقارير حقوقية حديثة إلى أن المسلمين الروهينجا داخل ولاية راخين يواجهون موجة جديدة من الحصار الغذائي والعنف، بالتوازي مع المعارك المتواصلة بين الجيش الحاكم وجماعات عرقية متمردة (المصدر: Washington Post، 20 يوليو 2025).
الصحيفة الأمريكية شددت على أن “العالم يتجاهل الإبادة البطيئة” التي تُمارس ضد الروهينجا، مؤكدة أن غياب الضغط الدولي الحقيقي، رغم الاتهامات الأممية الموجهة لميانمار منذ عام 2019 بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، شجّع السلطات على مواصلة سياسات العزل والتمييز.
تحليل: العالم يُعيد إنتاج الإهمال
المشهد العام يكشف أن الروهينجا باتوا محاصرين بثلاثة جدران: جدار التجاهل الدولي، وجدار العزل المحلي، وجدار التسييس الإقليمي.
ففي بنغلاديش، رغم الدعم الطويل الذي قدّمته الحكومة للاجئين، بدأ الصبر ينفد، ويبدو أن المجتمع الدولي قد أصابه “الإنهاك الإنساني”، بعد سنوات من تعاطف لم يترجم إلى حل دائم.
أما في الهند، فإن الخطاب القومي المعادي للأقليات يجرّ الروهينجا إلى قلب تجاذب سياسي عنصري، قد يفاقم معاناتهم بدلًا من المساهمة في حماية أبسط حقوقهم، كالأمان والسكن والتعلّم.
وفي ميانمار، لا تزال الدولة تنكر حتى الآن الاعتراف بالجماعة كـ”مواطنين”، وتواصل سياسات فصلهم الجغرافي والثقافي، في سياق يُشبه إلى حد بعيد “الفصل العنصري” وفق وصف منظمة العفو الدولية.
والنهاية بين انعدام التمويل، والاستغلال السياسي، واستمرار التمييز البنيوي، يعيش الروهينجا واحدة من أطول الأزمات الإنسانية في العصر الحديث. وبالرغم من كل التقارير والإدانات والقرارات الأممية، لا يزال هذا الشعب بدون جنسية، ولا وطن، ولا مستقبل واضح.
ويبقى السؤال: هل يشهد هذا الملف تحركًا حقيقيًا قبل أن تنفجر الكارثة الأخيرة؟