تشهد منطقة الساحل الشمالي المصري انتعاشاً سياحياً واستثمارياً لافتاً، يتعزز بخطوة قطرية مرتقبة لضخ 4 مليارات دولار لإنشاء مدينة سياحية ضخمة في منطقة “علم الروم”، في مشروع يعيد إلى الأذهان صفقة الإمارات في “رأس الحكمة” التي بلغت 35 مليار دولار.
ووفقاً لتقرير نشرته وكالة بلومبرغ، فإن الحكومة المصرية والقطرية تضعان اللمسات الأخيرة على مشروع ضخم لإنشاء مدينة متكاملة على مساحة 60 ألف فدان، بنظام حق الانتفاع، لصالح جهاز قطر للاستثمار. ويتضمن المخطط مزيجاً من المنتجعات الفاخرة، والوحدات السكنية، ومراكز الترفيه والتجارة، ومرسى لليخوت، مما يجعلها نسخة جديدة من رأس الحكمة، لكن بطابع قطري.
الاهتمام بهذه المنطقة يثير تساؤلات حول سر هذا الإقبال المكثف، لا سيما في ظل الأسعار المرتفعة التي وصفها البعض بـ”المرعبة”. لكن خبراء الاقتصاد يؤكدون أن هذه الأسعار مبررة نظراً لندرة الموقع وقيمته الاستثمارية العالمية.
الخبير الاقتصادي د. مصطفى بدرة يصف الساحل الشمالي بأنه “جوهرة على البحر المتوسط”، مشيراً إلى أن الإقبال الكبير من كبرى شركات التطوير العقاري يعكس توقعات بعائدات ضخمة، مما يجعل تلك الأسعار منطقية في ضوء موازين الربح والخسارة الدولية.
أما د. حمدي الجمل فيرى أن بريق الساحل الشمالي بات يتجاوز موسمية السياحة، ليتحول إلى وجهة استثمارية سنوية تستقطب رؤوس الأموال الخليجية، خاصة في ظل انخفاض قيمة الجنيه المصري، مما يمنح الاستثمارات الأجنبية قوة شرائية أعلى.
من جانبه، يشير د. أحمد أبو علي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، إلى أن الصفقة القطرية تمثل نقلة نوعية تعيد الساحل الشمالي إلى صدارة المشهد الإقليمي، لكنها في الوقت ذاته تثير مخاوف من حدوث فقاعة عقارية إذا لم يتم ضبط الأسعار بما يتناسب مع التنمية الفعلية والبنية التحتية.
ولتعظيم هذه الفرص، تعمل الحكومة المصرية على تطوير الساحل الشمالي الغربي بالكامل، من الإسكندرية إلى السلوم، بهدف خلق محافظات جديدة على البحر المتوسط، وتنشيط التنمية السكانية خارج وادي النيل الضيق.
وتُعد منطقة “علم الروم”، الواقعة شرق مرسى مطروح، موقعاً استراتيجياً مثالياً بفضل طبيعتها الخلابة، وشواطئها الهادئة، وتاريخها العريق. وبحسب الخبراء، فإن تحولها إلى مدينة سياحية قطرية متكاملة سيوجه الأنظار إلى الساحل الغربي كمنطقة استثمارية وسكنية مزدهرة على مدار العام، وليس فقط خلال موسم الصيف.
ويشير المراقبون إلى أن المشاريع العملاقة مثل “رأس الحكمة” و”علم الروم” تمثل نموذجاً جديداً لتوظيف الجغرافيا المصرية في خدمة الاقتصاد الوطني، بشرط أن تُدار هذه الفرص برؤية متوازنة تراعي الاستدامة والعدالة الاجتماعية.
خلاصة المشهد:
الساحل الشمالي لم يعد مجرد وجهة سياحية موسمية، بل بات محوراً استراتيجياً لاستثمارات دولية كبرى تعيد تشكيل الخريطة العمرانية والسياحية لمصر. وإذا سارت هذه الصفقات بحكمة، فقد يصبح الساحل الشمالي الواجهة الذهبية لمستقبل الاقتصاد المصري.