انتهيت من متابعة الدفوع التي تقدم بها فريق الدفاع عن الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية.
استعدت أثناء الاستماع بعض ذكريات عملي في وزارة الخارجية المصرية، وخاصة تلك التي تدرجت فيها في القطاع القانوني حتى توليت إدارة المعاهدات الدولية التي تعد من أهم الإدارات في وزارات الخارجية.
تذكرت مشاركتي في اللجنة الوطنية المصرية التي شكلت لبحث توقيع مصر على نظام روما الخاص بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وهي اللجنة التي ترأسها السفير القدير سليمان عواد، وضمت مجموعة مميزة من أساتذة القانون المصريين داخل وخارج مصر.
لقد تقدمت كممثل للقطاع القانوني بمجموعة مذكرات، وكان أهم ما شاركت به هو انتزاع موافقة اللجنة على مقترح بإرفاق إعلان مصري مع التوقيع يتضمن عدم تطبيق سريان الأثر المباشر لنظام روما فيما يتعلق ببعض الجرائم التي تمت قبل دخوله حيز النفاذ، واوضحت للحضور الذين اعترضوا أن هدفي هو الاحتفاظ بحق مصر للرجوع على إسرائيل لمحاسبتها على جرائم الحرب التي ارتكبتها وخاصة اغتيال الأسري المصريين غيلة في حرب 1956، و1967، و1973. وهي الجرائم التي اعترف بها الجانب الإسرائيلي بصلافة وغرور… وبعد مناقشة تمت الموافقة على اقتراحي.
لقد وقعت مصر على النظام الأساسي لروما، إلا أنها لم تنضم لأسباب ليس هنا مجال عرضها.
عدت من شرودي لأراجع بعض النقاط القانونية التي أثارها الفريق الإسرائيلي وخاصة فيما يتعلق بإثبات توفر النية المبيتة لارتكاب جريمة الإبادة، ولقد طرحوا بالفعل بعض الحجج القوية، وكذلك الهجوم المركز على طلب جنوب إفريقيا باتخاذ تدابير عاجلة تلزم إسرائيل بوقف إطلاق النار.
بدأت أفند الدفاع الإسرائيلي على دفتري، إلا أنني توقفت شاردا، وقد اختلطت أمامي المشاعر والصور، وقبض ألم مفاجئ صدري..
مصر تمتلك قامات قانونية متفوقة، ربما الأعلى على مستوي العالم، ولديها تراث قانوني عريق.. لقد توارى بعضهم بمغادرة دنيانا فعلا.. أو مجازا..