السفير معصوم مرزوق يكتب: حالة الإنكار الصهيونية
واحدة من المعادلات الإستراتيجية الثابتة في الشرق الأوسط، هي ضمان التفوق الإستراتيجي لإسرائيل على كل جيرانها. وقد اهتزت بشدة هذه المعادلة، بعد طوفان الأقصى وما تلاه من توابع حتى الآن.
نتن ياهو وعصابته لا يريدون النزول من فوق الشجرة التي تتمايل بشدة، يعيشون حالة إنكار مرضية تجعلهم لا يرون حقيقة التغير، والذي يوشك أن يمتد كي يشمل عددا أكبر من اللاعبين في المنطقة.
لم تعد إسرائيل تتمتع بنفس القدر من «وهم التفوق»، ولن ينقذها مئات الأطنان من المعدات والذخائر، ولا المزيد من الوحشية في الأراضي المحتلة.
لو كان «رابين» في الحكم، أو حتى «بيجين»، ربما أدركوا بواقعية هذه المتغيرات، وتصرفوا على هذا الأساس، ولكن إسرائيل يحكمها اليوم حفنة من المجانين الذين لا يفهمون كيفية التعامل مع مقتضيات الواقع المتغير.
لقد كانت لجنة «أجرانات» التي تشكلت في إسرائيل بعد حرب 1973، هي التي حللت أوجه القصور التي تسببت في الخسائر الإسرائيلية، وبالتالي أهمية التعامل مع المتغيرات بحكمة سياسية، قادت إلى كامب ديفيد، وفصل مصر بشكل كبير من معادلة الصراع، وبالتالي تمكنت إسرائيل فيما بعد من الإعلان رسميا بضم القدس والجولان، بل والتوسع في بناء المستوطنات بشكل غير مسبوق.
وعندما هزت الانتفاضة الفلسطينية الأولي والثانية المعادلات الثابتة بشكل كبير، سارع رابين إلي إبرام اتفاق أوسلو، كي ينقذ ما يمكن إنقاذه، وتحقق له علي الأقل تدجين الضفة الغربية إلي حد كبير، وإعادة المعادلة القديمة إلي الوجود.
لكن غلاة الصهاينة -الذين أطلقت عليهم «داعش الصهيونية»- اغتالوا رابين، وواصلوا الزحف حتي نجحوا في السيطرة علي الحكم والرأي العام الإسرائيلي.
ومن يتحدث اليوم عن التفاوض لا يدرك أن الفلسطينيين ليس لديهم من يتفاوضون معه على الجانب الآخر، وتلك ليست مشكلة الفلسطينيين وحدهم، بل إنها مشكلة أعمق لدي الجانب الإسرائيلي، الذي لا يزال يعيش بأوهام معادلات ما قبل زلزال السابع من أكتوبر، وهي المعادلات التي تغيرت بلا عودة، فضلا عن أنها بأسلوب نظرية الدومينو تضغط على إطراف معادلات أخري متجمدة في الشرق الأوسط، وسوف تفككها إذا واصل الصهاينة حالة الإنكار.