شهدت مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق، فجر الجمعة، تطورات أمنية خطيرة بعد اندلاع اشتباكات بين القوات الأمنية الكردية وأنصار رئيس حزب الجبهة الشعبية، لاهور شيخ جنكي، عقب صدور مذكرة توقيف بحقه بتهم تتعلق بـ”التآمر لزعزعة الاستقرار”. وأسفرت المواجهات عن سقوط قتلى وجرحى من عناصر الأمن، قبل أن تتمكن القوات من اعتقاله مع شقيقيه بولاد وآسو.
الحكومة العراقية سارعت إلى احتواء الموقف، حيث دعا الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، صباح النعمان، إلى ضرورة التزام الجهات المختصة بالإجراءات القانونية والدستورية، وتنفيذها بحيادية وشفافية بعيداً عن المظاهر المسلحة، وبما يضمن حماية المواطنين وصون كرامتهم. كما شددت رئاسة حكومة إقليم كردستان في بيان منفصل على أن حل المشاكل والصراعات يجب أن يكون عبر القانون وحده، وبعيداً عن العنف، مؤكدة على حماية أرواح وممتلكات المدنيين والحفاظ على أمن واستقرار المدينة.
في المقابل، أصدر حزب الجبهة الشعبية بياناً شديد اللهجة وصف فيه عملية اعتقال زعيمه بأنها “عمل إرهابي”، محمّلاً رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طالباني، المسؤولية المباشرة عن سلامته، وداعياً القنصليات والممثليات الدبلوماسية والحكومة الاتحادية إلى عدم الصمت إزاء ما جرى.
شخصية جدلية وصراع قديم
لاهور شيخ جنكي، المولود عام 1975 في أربيل، يُعد من أبرز الشخصيات الكردية المثيرة للجدل. فهو ابن عم بافل طالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، وينتمي إلى عائلة آل طالباني ذات الثقل السياسي الكبير في الإقليم. تلقى تعليمه في بريطانيا، وحمل الجنسيتين العراقية والبريطانية، قبل أن يعود ليؤسس قوة مكافحة الإرهاب عام 2002 بدعم أمريكي، كما قاد لاحقاً جهاز استخبارات “زانياري”، ولعب دوراً بارزاً في الحرب ضد تنظيم “داعش” خاصة في كركوك ومخمور وديالى.
بعد وفاة الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني، صعد نجم لاهور بقوة داخل الاتحاد الوطني، وانتُخب عام 2020 رئيساً مشاركاً للحزب مع بافل طالباني. غير أن الصراع على الزعامة سرعان ما تفجّر بين الرجلين، وانتهى بإقصاء جنكي من جميع مناصبه عام 2021 وطرده رسمياً من الحزب. ومنذ ذلك الحين دخل في نزاعات قضائية وسياسية مع جناح طالباني، قبل أن يؤسس مطلع 2024 حزباً جديداً باسم “الجبهة الشعبية”، الذي خاض به انتخابات برلمان الإقليم في أكتوبر من العام نفسه.
الأزمة إلى أين؟
تطورات السليمانية الأخيرة تكشف بوضوح عمق الانقسام داخل البيت الكردي، لا سيما في الاتحاد الوطني الكردستاني، حيث يتنافس جناحا لاهور جنكي وبافل طالباني على النفوذ في معقل الحزب التاريخي. ويخشى مراقبون أن يؤدي هذا الصراع إلى زعزعة الاستقرار في إقليم كردستان في وقت تواجه فيه البلاد تحديات سياسية واقتصادية وأمنية متشابكة.
ومع استمرار التوتر وارتفاع حدة الخطاب السياسي بين الطرفين، تبقى الأنظار متجهة إلى ما إذا كانت الأزمة ستنتهي بتسوية قانونية كما تطالب بغداد وأربيل، أم أنها ستتطور إلى مواجهة أوسع تهدد استقرار واحدة من أهم مدن الإقليم وأكثرها حساسية.