في لحظة فارقة من التاريخ المعاصر، يقف العالم على حافة هاوية خطيرة، حيث تتقاطع المصالح السياسية والعسكرية مع إرث السلاح النووي الذي حوّل البشرية إلى رهينة بين أيدي قوى كبرى. لم يعد الحديث عن النووي مجرد ذكرى من زمن الحرب الباردة، بل تحوّل إلى ظلّ حاضر يخيّم على كل نزاع دولي ويهدد استقرار الكوكب بأسره.
زوايا متعددة
منذ أن دوّت الانفجارات فوق هيروشيما وناغازاكي، ترسخت في الوعي البشري صورة السلاح النووي كقوة مدمرة تتجاوز حدود أي حرب تقليدية. ومع مرور العقود، صار النووي أشبه بـ”الوصية الملعونة” التي ورثتها القوى الكبرى وتتعامل معها بحذر، لكنها في الوقت ذاته تستخدمها كورقة ضغط وردع.
اليوم، ومع تصاعد النزاعات في أوكرانيا، التوترات في بحر الصين الجنوبي، والقلق من البرامج النووية في كوريا الشمالية وإيران، يعود السؤال المرعب: هل يقترب العالم من لحظة الانفجار؟
البعد السياسي
القوى الكبرى – الولايات المتحدة، روسيا، الصين – تخوض مواجهة غير معلنة للهيمنة على النظام الدولي. كل قوة تلوّح بترسانتها النووية كرمز للقوة ودرع ضد الهزيمة. وفي لحظات التوتر، يصبح الخطأ الحسابي أو سوء الفهم سببًا لكارثة لا رجعة فيها.
البعد الاقتصادي
النووي ليس فقط سلاح دمار شامل، بل سلاح يهدد الاقتصاد العالمي. مجرد تهديد باستخدامه يُربك الأسواق، يرفع أسعار الطاقة، ويضاعف أزمات الغذاء. تخيّل إذن تأثير ضربة نووية فعلية على سلاسل التوريد العالمية والاقتصاد الرقمي الهش.
البعد البيئي
التجارب النووية أثبتت أن الإشعاع لا يعرف حدودًا. أما في حالة حرب نووية، فسيناريو “الشتاء النووي” قد يجعل الكوكب يغرق في برد طويل يقتل الزراعة ويحوّل الأرض إلى مكان غير صالح للحياة.
البعد الإنساني والأخلاقي
من يتحمل وزر قرار يفضي إلى إبادة الملايين؟ هل يمكن لأي دولة أو زعيم أن يبرر استخدام أداة قد تمحو الإنسانية من الوجود؟ السؤال هنا لم يعد عسكريًا بقدر ما هو أخلاقي وحضاري.
التحذيرات المتكررة
خبراء الأمم المتحدة يرون أن العالم اليوم أقرب إلى المواجهة النووية منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.
مؤسسات بحثية تحذر من أن التقنيات الحديثة قد تجعل أنظمة التحكم النووي عرضة للاختراق، ما يفتح الباب لفوضى لا يمكن تصورها.
أصوات دينية وفلسفية تعتبر أن امتلاك أدوات الفناء بهذا الشكل يتعارض مع جوهر القيم الإنسانية التي تقوم على حفظ الحياة.
ماذا ينتظر العالم؟
قد يقودنا المستقبل إلى واحد من عدة سيناريوهات:
-حرب نووية محدودة تشعل سباقًا أخطر.
-سباق تسلح جديد يبتلع موارد الدول.
-انهيار كامل لمنظومة الردع لتصبح الترسانات مجرد قنابل موقوتة.
أو، وهو الأمل، أن تدرك القوى الكبرى خطورة اللحظة وتعود إلى طاولة المفاوضات قبل أن يتجاوز الخطر كل قدرة على السيطرة.
العالم اليوم يعيش حالة من الترقب، وكأنه يسير فوق خيط مشدود بين هاوية الفناء وفرصة النجاة. التاريخ يعلّمنا أن الحضارات العظمى قد انهارت حين غلبت شهوة القوة على صوت العقل. وإذا لم يدرك صُنّاع القرار أن النووي ليس أداة نصر بل وصفة فناء، فقد نصحو ذات يوم على واقع بلا مستقبل.
القوة ليست غاية
في قلب هذا المشهد المظلم، حيث يتأرجح العالم بين الردع النووي والانفجار الشامل، يبرز البعد الديني ليذكّر الإنسانية أن القوة ليست غاية في ذاتها، وأن التمسك بأدوات الفناء لا يقود إلا إلى الهلاك.
البعد الديني والتحذير السماوي
القرآن الكريم صوّر لنا مصير الأمم التي اغترّت بقوتها وقالت: “مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً”، فجاء الرد الإلهي بأن القوة المطلقة لله وحده. لقد أهلك الله فراعين وقياصرة وملوكًا ظنوا أنهم خالدون، فإذا بهم يصبحون عبرة في صفحات التاريخ.
وفي الحديث الشريف، تحذير من سفك الدماء بلا حق، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بسلاح قادر على محو أمم وشعوب كاملة؟ إن استخدام النووي ليس مجرد قرار عسكري، بل هو تمرد على سنة الله في عمارة الأرض، وإعلان حرب على الحياة نفسها.
الرسالة الأخلاقية
القوة الحقيقية ليست في امتلاك زر التدمير، بل في امتلاك الحكمة التي تمنع الضغط عليه.
الفناء الجماعي ليس قدرًا حتميًا، بل خيار بشري يمكن تجنبه إذا عادت القلوب إلى ضميرها.
التاريخ والكتب السماوية تشهد: كل من توهّم الخلود عبر القوة سقط سقوطًا مروعًا.
اقتربت الساعة
العالم اليوم يقترب من لحظة تشبه “الساعة” التي أنبأت بها النصوص الدينية، حيث تختلط شهوة القوة مع الغفلة عن المصير. وإذا استمر قادة العصر في عبادة المادة وتجاهل صوت الفطرة والإيمان، فإن البشرية قد تُساق إلى فناء يشبه الطوفان الذي أغرق قوم نوح أو الصاعقة التي أهلكت عادًا وثمود.
إن الرسالة التي تلوح في الأفق واضحة:
إما أن تتوقف يد الإنسان عن العبث بأزرار الفناء، أو أن ينطفئ نور الحضارة وتكتب نهاية العصر بيد البشر أنفسهم.
موعظة للعالم على فوهة النووي
أيها الناس،
إنكم اليوم على شفا جرف هار، تتأرجحون بين نجاة وهلاك، بين فطرة تدعوكم لحفظ الحياة، وهوى يدفعكم إلى فناء الأرض بمن عليها.
لقد أودع الله في أيديكم العلم قوةً جبارة، لكنها لم تُعطَ لكم لتكون سيفًا مسلطًا على رقاب الأبرياء، بل لتُعمِّروا الأرض وتشيِّدوا بها صروح الرحمة والعدل. فماذا أنتم صانعون بها؟ أتبنون بها حضارة من نور، أم تكتبون بها نهاية البشرية بيدكم؟
ألا ترون مصارع الطغاة من قبل؟ فرعون الذي قال: “أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى”، وقارون الذي بَغى بماله، وقوم عاد وثمود حين ظنوا أن قوتهم تحميهم من بأس الله، فإذا بهم يُصبحون عبرةً على مر الزمان. وما أشبه اليوم بالأمس، حين يظن أصحاب الترسانات النووية أن خلودهم في سلاحهم، وأن سلطانهم يدوم بقدرتهم على محو الأمم.
أيها القادة،
إن زرًّا صغيرًا قد يبدّد مدنًا عامرة، ويطفئ حياة الملايين في لحظة. لكن تذكّروا: القوة التي بيدكم ليست ملكًا لكم، إنما هي أمانة ستُسألون عنها بين يدي العدل الحقّ. يومها لا ينفعكم رادع ولا تحالف، ولا يقيكم صاروخ عابر للقارات، ولا غواصة في أعماق المحيط.
فهلّا رجعتم إلى صوت الضمير قبل فوات الأوان؟ هلّا استمعتم إلى نداء السماء: “وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا”؟
يا أهل الأرض،
إن الساعة أقرب مما تظنون، والقرار بين أيديكم:
إما أن تختاروا درب الحكمة والتوبة، فتُطفئوا نار الفناء وتعودوا إلى عهدٍ جديد من السلام.
أو أن تُصِرّوا على الغفلة، فتكتبوا بأنفسكم شهادة وفاة الحضارة.
فاذكروا أن الحضارات لا تُهلكها قنابل العدو بقدر ما يُهلكها غرور أهلها. وإن أعظم نصر هو أن تنتصروا على شهوة التدمير في قلوبكم.