السيد التيجاني يكتب: باكستان الكنز المسكوت عنه والحقيقة الغائبة

لا أحد يستطيع أن يتخيل أن بعض الدول تعتمد على الآخرين لتلبية وجلب حد الكفاف من احتياجاتها في حين تملك تلك الدول ثروةً طائلة تجعلها في مصاف اقتصاديات العالم.
فعلي سبيل المثال لا الحصر تمتلك باكستان أصولاً معدنيةً بقيمة 6 تريليونات دولار تقريبًا، بحسب آخر مسح جيولوجي لهذه البلد التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 241.5 مليون نسمة.
وبحسب تقرير هيئة تنمية التجارة الباكستانية الذي أشار إلى أن باكستان تمتلك احتياطيات معدنية تغطي مساحة شاسعة تبلغ 600,000 كيلومتر مربع.
في المقابل، تُقدر قيمة صناعة التعدين والمعادن العالمية بنحو 2.12 تريليون دولار.
غير أن سنوات من السياسات والممارسات الخاطئة لم تؤد فقط إلى تقليص باكستان إلى حدود وعاء الاستدانة، بل حرمت البلاد وشعبها من إمكاناتهم الحقيقية.
وتضم 92 معدنًا مكتشفًا. وتمتلك باكستان ثاني أكبر احتياطي للملح في العالم، وخامس أكبر احتياطي للنحاس، وثاني أكبر احتياطي للفحم، بالإضافة إلى مليارات البراميل من النفط الخام، ولكن متى سنستفيد حقًا من كل هذا؟
تثير مساهمة قطاع المعادن في الناتج المحلي الإجمالي قلقًا بالغًا، إذ لا تتجاوز 3%. وتُمثل صادرات باكستان المعدنية حوالي 0.1% فقط من إجمالي الصادرات العالمية، مما يُشير إلى الإمكانات الهائلة التي تنتظر هذا القطاع الواعد.
من الأمثلة على ذلك منطقة ثار، التي تسهم بنسبة 10% من إجمالي توليد الطاقة في باكستان، مما يخفّض الواردات بمقدار مليار دولار سنويًا.
ولنتخيل ما يمكن أن يؤدي إليه هذا القطاع مجتمعًا. إذا نُقِلَت الصناعات إلى هناك، وتم توفير كهرباء رخيصة دون خسائر في التوزيع، يُمكن أن يُلبّي ذلك حاجة الصناعة إلى أسعار طاقة تنافسية إقليميًا من خلال زيادة القدرة التنافسية، وربما يُؤدي إلى صادرات إضافية بقيمة 20 مليار دولار.
يزخر المسرح الدولي بأمثلة لدولٍ سخّرت مواردها المعدنية لتحقيق الازدهار الاقتصادي. أصبحت تشيلي أكبر منتج للنحاس في العالم، حيث تُساهم بنحو 28% من إنتاج النحاس العالمي. ويُعزى نجاح تشيلي بشكل رئيسي إلى سياساتها المُشجعة على التعدين، وبيئتها التنظيمية المستقرة، واستثماراتها في البنية التحتية الأساسية.
ولهذا يمكن لباكستان أن تصبح بسهولة ثاني أكبر مُنتج إذا استطاعت استغلال إمكاناتها الحقيقية في النحاس.
أستراليا هي أكبر منتج لخام الحديد في العالم بلا منازع، وتحتل مرتبة متقدمة في إنتاج الفحم والذهب. وتُقدر مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بأكثر من 10%. تحتوي منطقة شينيوت في البنجاب على رواسب خام الحديد تتراوح بين 250 مليون ومليار طن، واحتياطيات من النحاس تتراوح بين 15 و60 طنًا متريًا، بقيمة لا تقل عن 8 مليارات دولار.
ستستغرق المرحلة الأولى من التعدين حوالي 40 عامًا. يبلغ الاستثمار المطلوب لإنشاء مصنع التعدين ومعالجة الصلب 1.27 مليار دولار. ينبغي على البنجاب أن تكون منفتحة على المستثمرين، وأن ترحب بالاستثمار في إنشاء عمليات التعدين ومصنع الصلب HRC. بمجرد إنشاء المصنع، سيلبي 80% من الطلب المحلي من خلال إحلال الواردات، ويترك 20% من طاقته للتصدير.
يمكننا أيضًا أن نتعلم ونستفيد من الصين، التي اكتسبت براعةً لا تُضاهى في استخراج ومعالجة المعادن الأرضية النادرة.
ومع تزايد أهمية هذه المعادن في إنتاج الإلكترونيات والرقائق الدقيقة وتقنيات الطاقة المتجددة والأسلحة المتقدمة، يبدو أن الصين مهيأة للهيمنة على قطاع التعدين والتجارة العالميين.
بالإضافة إلى أراضيها الخصبة، تتمتع البنجاب الباكستانية بوفرة من المعادن، بما في ذلك رواسب كبيرة من الفحم والطباشير والبوكسيت والكاولينيت (طين الصين) والطين الناري ورمال السيليكا والرخام وخام الحديد والذهب الغريني والملح.
فقد فشلت الحكومات المتعاقبة في سنّ لوائح وتشريعات تُتيح للقطاع الخاصّ فرصة المشاركة، أو الاستثمار في التكنولوجيا نفسها لإنشاء سلسلة توريد ذات قيمة مضافة لمنتجاتنا المنجمية.
كما برزت مشاكل خطيرة تتعلق بالعطاءات، وعمليات الاسترداد، والإنتاجية، وسلامة ورفاهية عمال المناجم، والتي تضافرت جميعها لتقوّض الإنتاج المُحتمل.
وهذه بعض الأسباب التي تجعل باكستان خارج دائرة الاهتمام بين شركات التعدين العالمية على الرغم من كونها واحدة من أكثر المناطق تنوعا طبيعيا في العالم.
تمر باكستان اليوم بمفترق طرق، ولكن لا يوجد وقت أفضل من الآن لتوحيد الجهود ووضع البلاد على طريق التقدم في قطاع المناجم والمعادن والمساعي لتنويع اقتصادها، وتحقيق إيرادات كبيرة، والتخلص من عبء ديونها الخارجية.