السيد هاني يكتب: هل شاركت إيران في اغتيال إسماعيل هنية؟
احتمالان لا ثالث لهما في عملية اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس؛ في العاصمة الإيرانية طهران..!
الاحتمال الأول أن تكون هذه العملية تمت بالتنسيق بين إسرائيل وإيران.. ومباركة أمريكية.. مقابل حصول إيران على مكاسب سياسية في عدد من الملفات.. تتعلق بالعقوبات المفروضة عليها وأموالها المجمدة.. وحظر تصديرها النفط..
فضلا عن أن إيران أصبح لها مصلحة في إنهاء العلاقة مع حركة حماس.. بعد أن استنفدت الأغراض التي من أجلها كانت تقوم إيران بتقديم الدعم المالي والعسكري لحماس.. وهى أن تكون ذراعها العسكري في هذه المنطقة.. قطاع غزة.. ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة ؛ التي يمكن أن تستخدمها إيران في إزعاج إسرائيل أو مصر إذا لزم الأمر..
الآن.. بعد الدمار الكبير الذى لحق بقطاع غزة.. والسيطرة الإسرائيلية على القطاع.. والمآسي المروعة التي لحقت بسكانه.. والموقف الدولي من حركة حماس وتصنيفها على أنها “منظمة إرهابية”.. ولأسباب كثيرة أخرى يطول شرحها.. لم يعد بمقدور حركة حماس العودة إلى قطاع غزة.. وإدارته كما كان الحال قبل يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.. بالتالي لم تعد قادرة على القيام بوظائفها السابقة كأحد أذرع إيران العسكرية في المنطقة..!
هذا يعنى أن حماس أصبحت من الآن فصاعدا.. تشكل «عبئا» على إيران.. ماليا وسياسيا..
وبما أن إيران تعيش أزمة اقتصادية خانقة.. إذن يصبح من مصلحتها التخلص من هذا «العبء» المالي الذى تشكله حركة حماس على إيران.. لاسيما أن «التضحية» بها يمكن أن يجلب لإيران «مكاسب» في ملفات عديدة مع الدول الغربية..
يقوى من هذا الاحتمال.. أن التنسيق المشترك بين إيران وإسرائيل.. قائم وموجود وحاضر دائما.. وقد تجلى في أحد مظاهره في أبريل الماضي.. عندما أبلغت إيران إسرائيل.. بأنها تنوى مهاجمتها يوم ١٤ أبريل.. من باب حفظ ماء الوجه فقط ردا على قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق وسقوط ٧ قتلى من الإيرانيين تحت هذا القصف.. حيث قامت إيران بإرسال كشف إلى إسرائيل يتضمن كل البيانات الخاصة بالهجوم الذى تنوى القيام به.. من حيث التوقيت.. وعدد المسيرات والصواريخ التي ستستخدم فيه.. والمسارات التي ستسلكها خلال المسافة من إيران إلى إسرائيل.. ونوع الذخيرة التي ستحملها.. والأهداف التي ستوجه إليها.. وصلت هذه المعلومات إلى إسرائيل قبل بدء الهجوم الإيراني بوقت كاف.. مما مكن إسرائيل بالتوظيف السياسي لهذه العملية قبل أن تبدأ.. فاشتركت معها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في التصدي للهجوم الإيراني.. حتى أصبح هذا الهجوم مادة للتهكم على وسائل التواصل الاجتماعي في كل ارجاء العالم..!!
لقد أدركت إسرائيل من ذلك.. مدى خوف إيران من الدخول في حرب عسكرية مباشرة مع إسرائيل.. لذلك فقد استأذنتها.. قبل القيام بعملية لحفظ ماء الوجه فقط ردا على قيام إسرائيل بنسف القنصلية الإيرانية في دمشق.. بالضبط كما فعلت إيران من قبل عندما.. عندما استأذنت الولايات المتحدة الأمريكية في القيام بعملية صورية فقط؛ بقصف إحدى القواعد الأمريكية في شمال العراق.. ردا على اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني.. وذلك من باب حفظ ماء وجه إيران أمام شعبها وحلفائها في المنطقة.. فوافقت الولايات المتحدة وقامت بإخلاء القاعدة العسكرية من جنودها وموظفيها قبل الهجوم الإيراني على القاعدة.. بالطبع لم يسقط أحد من الأمريكيين في هذا الهجوم.. ثم خرج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ليعلن أمام وسائل الإعلام.. تفاصيل الاتصالات التي جرت بين الولايات المتحدة وإيران.. والتنسيق المشترك.. الذى تم بموجبه الهجوم الإيراني على القاعدة الأمريكية في شمال العراق..
إذن.. فالتنسيق المشترك بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة قائم وموجود وحاضر دائما.. وأثبت نجاحه في عمليات كثيرة سابقة..
يقوى من احتمال مشاركة إيران في اغتيال إسماعيل هنية.. ذلك الغموض الذى أحاط بالعملية.. فلم تنشر إيران.. حتى الآن.. أية صور خاصة بهذه العملية.. سواء صورة المقر الذى كان يقيم فيه الذى تم نسفه.. أو غيرها من الصور..
فإذا أضفنا إلى ما سبق ان إسماعيل هنية.. شخصية قيادية كبيرة لها وزنها السياسي.. وقتله كان هدفا مشروعا للموساد الإسرائيلي دائما.. لذلك ففي كل زياراته إلى طهران كان يحظى بحراسة مشددة من الحرس الثوري الإيراني.. حيث كان يرافقه دائما طوال الزيارة طاقم أمنى مسلح بأحدث أنواع الأسلحة والعتاد العسكري المتطور.. ولم يكن إسماعيل هنية ولا أحد من مرافقيه يعلمون شيئا عن محل إقامتهم في طهران.. الذى كان دائما.. في أحد بيوت الإقامة السرية الموجودة داخل مناطق الحرس الثوري الإيراني.. والمخصصة لكبار الزوار.. والمحمية بكل وسائل الحماية المشددة.. بدءا من المدافع المضادة للطائرات.. إلى الأنظمة المضادة للصواريخ.. وكذلك أسراب الطائرات المسيرة..
وكانت المعلومات الخاصة بمكان مبيت إسماعيل هنية في طهران.. هي دائما محصورة في أضيق نطاق.. لا يخرج أبدا عن مكتب المرشد وقائد الحرس الثوري الإيراني ورئيس جهاز المخابرات..
لكن إيران في هذه المرة.. نقلت مقر إقامة إسماعيل هنية إلى منطقة تقع شمال العاصمة طهران.. في منزل من المنازل المخصصة لقدامى المحاربين.. لم يحدث أن أقام فيه هنية من قبل.. ويبدو أن طاقم الحراسة المرافق له من الحرس الثوري الإيراني.. قد غادر المكان بعد أن أوصل هنية إلى هذا المنزل بوقت قصير.. قبل بدء عملية الهجوم.. وترك هنية وحارسه الشخصي.. يلقون حتفهم داخل هذا المنزل.. حوالى الساعة الثانية صباحا بتوقيت إيران..!!
مازالت أمامنا علامات استفهام كثيرة حول الكيفية التي تم بها اغتيال إسماعيل هنية..
هل تمت بواسطة صاروخ أطلق من غواصة تقف في المياه الإقليمية لطهران.. كما تقول بعض التقارير..؟
أم تمت بواسطة صاروخ تم إطلاقه من إحدى الدول المجاورة لطهران..؟
أم تمت بواسطة صاروخ أطلق من داخل إيران نفسها..؟
أم تمت بواسطة وضع عبوة ناسفه داخل المنزل وتفجيرها عن بعد..؟
أم تم اغتياله بإطلاق الرصاص عليه مباشرة أثناء نومه.. وكذلك على حارسه الشخصي الذى كان ينام في الطابق العلوى من البيت..؟
أسئلة كثيرة.. ستظل مطروحة بقوة على عملية اغتيال إسماعيل هنية فجر يوم الأربعاء ٣١ يوليو ٢٠٢٤.. لاسيما في ظل حالة الغموض التي مازالت تحيط بهذه العملية من جوانب كثيرة..!
* * *
أما الاحتمال الثاني.. وهو أن عملية اغتيال إسماعيل هنية تمت من وراء ظهر إيران.. فهذا يعنى أن إيران أصبحت مخترقة من الموساد الإسرائيلي على أعلى المستويات.. بما في ذلك الدائرة الضيقة حول المرشد على خامنئي.. وقيادة الحرس الثوري.. وجهاز المخابرات الإيراني نفسه.. وهى الدائرة التي كان محصورا فيها عنوان محل إقامة إسماعيل هنية.. وساعة وجوده في المكان قبل القصف..
ولابد ان يلفت نظرنا.. ما ذكرته بعض التقارير.. من أن الصاروخ أصاب جسد إسماعيل هنية شخصيا.. هذا يعنى أن عملية الاغتيال تمت بواسطة أشعة الليزر والأقمار الصناعية.. التي تحقق دقة متناهية لوصول الصاروخ إلى هدفه..!!
ولابد أن نتساءل أيضا.. إذا كانت عملية اغتيال إسماعيل هنية قد تمت من وراء ظهر النظام الرسمي في إيران.. بواسطة عملاء وخونة وجواسيس.. فأين كانت المضاد الأرضية للصواريخ التي يمتلكها الحرس الثوري والجيش الإيراني.. لماذا لم تعترض الصاروخ.. الذى يفترض أنه أطلق على مقر إقامة هنية من غواصة في الماء أو من دولة مجاورة أو حتى من داخل إيران..؟
هل بهذه السهولة يطلق صاروخا على أحد المقار الرسمية في إيران.. ويمر بسلام في الأجواء الإيرانية دون أي اعتراض..؟
* * *
لقد سقط إسماعيل هنية في دمائه.. وسقطت معه هيبة إيران في التراب.. سواء تمت عملية اغتياله بمشاركة إيران أو من وراء ظهرها..