الشاعر العربي الكبير “محمود مفلح” يكتب: مَن أفسدَ الشِّعرَ؟

من خلالِ متابعتِي لما يُنشَرُ من شِعرٍ، وما يُقالُ حولَهُ، تأكَّدَ لي أنَّ مِن أهمِّ الأسبابِ التي أفسدَتِ الشِّعرَ وشوَّهَتْ صورتَهُ:
أوّلًا: النُّقّادُ التُّجّارُ، الذين لا يَكترثونَ إلّا بما يَدخُلُ إلى جُيوبِهم!!
فقدْ كانَ لهؤلاءِ دورٌ خَطيرٌ في تَلميعِ شُعراءَ صِغارٍ مَغمورينَ، وإيهامِ الناسِ أنَّ هؤلاءِ الشُّعراءَ هم من صَفوةِ شُعراءِ العصرِ، مع أنَّهم لا يزالونَ في بدايةِ المِشوارِ الشِّعريِّ الطَّويلِ.
أمّا السَّببُ الثَّاني: فهو الصَّحافةُ المُؤدلَجَةُ التي لا تَنشرُ من الشِّعرِ إلّا ما يتوافقُ مع فِكرِها وخَطِّها السِّياسيِّ، وغالبًا ما تكونُ هذه القَصائدُ نَظمًا سَقيمًا، بعيدًا عن جوهرِ الشِّعرِ.
وتَحرصُ هذه الصَّحافةُ على نَشرِ صُوَرِ شُعرائِها ملوَّنَةً مُغرِيَةً، مع التَّركيزِ عليهم في أكثرِ الأعدادِ!!
ولا يَهمُّها – كما أَسلفتُ – الجانبُ الفنِّيُّ والإبداعيُّ الذي هو روحُ الشِّعرِ ومِعيارُهُ الحقيقيُّ.
المهمُّ أن يكونَ الشَّاعرُ بُوقًا من أبواقِها، وخيطًا في نَسيجِها الرَّديءِ.
والشَّيءُ الخَطيرُ في المَوضوعِ، هو أنَّ التَّرويجَ لهؤلاءِ الشُّعراءِ قد يَنطلي على كثيرٍ من القُرّاءِ ممّن لا يَملكونَ حِسًّا نَقديًّا ناضجًا، أو ثقافةً أدبيّةً رَصينةً تُمكِّنُهم من الفَرزِ والتَّصنيفِ والحُكمِ الدَّقيقِ على النُّصوصِ.
وتَرى خلفَ هذه الأسماءِ جيشًا من المُصفِّقينَ والمُبَخِّرينَ، لا لِشَيءٍ إلّا لأنَّهم من ذوي الاتِّجاهِ الفِكريِّ واللَّونِ السِّياسيِّ ذاتهِ، وأكثرُ هؤلاءِ لا علاقةَ لهُ بالشِّعرِ أصلًا، ولا يَهمُّهُ منهُ إلّا ما يُغذِّي رغبتَهُ في التَّرويجِ لمَذهبِه الفِكريِّ أو السِّياسيِّ، بعيدًا عن عَناصرِ الفَنِّ الحقيقيِّ.
ولهذا، كانَ عليكَ أن تَقرأَ الكثيرَ من النُّصوصِ هذه الأيّامِ، لتَلتقطَ نَصًّا إبداعيًّا مُقنِعًا، بلا حَوامِلَ إلّا حامِلَ الموهبةِ والتَّجرِبةِ الذَّاتيّةِ، والإبداعِ الحقيقيِّ.
وأنا أُشبِّهُ هذه القَصائدَ النّادِرةَ بـ”النُّسورِ” التي تُحلِّقُ وحدَها، بعيدًا عن أسرابِ العصافيرِ والخفافيشِ.
هذا، واللهُ من وراءِ القَصدِ.
———–
الشاعر محمود مفلح