أقلام حرة

الشام اليوم أمانة ثقيلة يحملها الإنسان تكليفا لا تشريفا

مضر أبو الهيجاء

لم تفشل أمتنا في تاريخها الطويل في الماضي والحاضر كما فشلت وخسرت وتراجعت بسبب تناحراتها الداخلية، والتي أوجدت ثغرة ينفذ منها الغرب والشرق لينفث سمومه فيوسع الشرخ بين أبناء الأمة الواحدة!

لقد من الله بكرمه العظيم على الأمة بتحرير عمق أرض الشام المباركة، فكان تحرير دمشق بلا دماء آية من آيات الله، الذي إذا قال لشيء كن فيكون سبحانه، وها هي الشام اليوم أمست أمانة ثقيلة يحملها الإنسان تكليفا لا تشريفا، في اختبار عظيم وتحد كبير، ستحدد نتيجته العادلة ما تستحقه الأمة وتعيش نتائجه أجيالنا القادمة، وفق سنن الله التي لا مبدل لها.

إن شرط الوحدة وتحقيق صورة الصف الذي يحبه الله ويرضاه مشروط بشرط لازم قبله، وهو أن يكون في سبيله وعلى صراطه وهداه، يقول سبحانه ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ الصف:4

فكيف يمكن أن يتحقق هذا المشهد في أرض الشام المباركة، حتى يتحقق ما يحبه الله ويرضاه، فيرضى عنا ويكتب لنا تمكين مشروع الخير في الأرض؟ وما هو المعوق لتحقيق هذا المشهد العظيم، الموجب للنصر من عند الله؟

لقد كان توحش المشروع الطائفي الذي صنعه الغرب (فرنسا- أمريكا) ومكنه من أرض الشام، وعززه بنفوذ إيران، وقواه ببطش الروس، سببا رئيسيا جمع السوريين في صف واحد يروم اقتلاع الظالم وانهاء الظلم الجاثم على صدورهم منذ ستة عقود خلت، وها هو الصبح قد انبلج وأصبحت سورية بدون القاتل بشار الأسد ومنظومته الأمنية المرعبة.

لكن هذا لم يعد كافيا في مواجهة المعركة الكبرى مع الذي جلب وعزز وقوى منظومة الأسد الطائفية، الأمر الذي يوجب تماسك الصف على أرضية تروم الحق وتنشده، فهل يوجد معطى قويا يجتمع عليه الناس مقبلين متبتلين غير هذا الدين العظيم وسنة النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم؟

لقد جرب الغرب جميع النظريات والأيديولوجيات الديموقراطية والقومية والشيوعية والبعثية لأجل تفكيك الأمة وسحق فاعليتها، فلم يجد من شعوب الأمة إلا إقبالا متزايدا على الدين وارتباطا عظيما بكتاب الله وقرآنه الكريم، وهنا يكمن الخطر الأكبر، وهو أن ما كان يستهدفه الغرب -ولا يزال- من سحق للأمة وتذويب لشخصيتها وإذهاب لدورها من خلال تفتيت الصف الإسلامي والبطش به، لا يمكن أن يتحقق مطلقا من خارجها، لا سيما أن كل محاولاته خلال قرنين قد فشلت – وإن أضعفت جزءا من الأمة-، بل إن التفتيت الناجع والناجح سيكون من داخل الأمة ومن خلال فهم بنيتها الثقافية، ليقوم بدور الشيطان الرجيم، ويتلف سوية المؤمنين ويلبس بين الحق والباطل، ويمسي كل حزب بما لديهم فرحين!

إن صناعة التنازع والخلاف في داخل الصف الإسلامي الواحد ومن خلال مفاعيله وأدواته الذاتية، لن تتوفر فرصته الذهبية إلا من خلال الاحتراب القاتل بين أتباع المدرسة السلفية ومريدي المدرسة الأشعرية، لاسيما وتجارب الأمة في هذا الصدد حاضرة وبذور الخلاف متوفرة، وقنوات الأنظمة العربية الظالمة ممتدة لها ومتصلة ببعض أعيانها المستخذين لها، فكيف يمكن اللحاق بتلك المخاطر وسبقها بخطوتين لمنع وقوعها؟

وحتى نجيب على هذا السؤال المقلق علينا استحضار أمرين هما:

1/ البركة التي وضعها الله في أرض الشام فتوزعت على جغرافيتها وأناسها، الأمر الذي جعل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يهرعون لأرض الشام ويتخذوا منها مساحة للعلم والدعوة ومسكنا لهم.

2/ ثورة الشام المباركة التي صنعت وعيا جديدا يتمثله جيل فريد مقبل على الله لا يخشى فيه لومة لائم، وإن فقد جميع أهله وماله ودياره في مقارعة الباطل، مبتغيا وجه الله وناظرا إليه سبحانه، ومستمسكا بالعروة الوثقى، حاله كحال الصحابة الكرام، وكأهل غزة وجنين المجاهدين الثابتين المضحين رغم طول وكثرة العذابات، لن يثنيه شيء مهما تعاظمت التحديات.

فما هو المطلوب حتى تكتمل الشروط الموجبة لنزول المدد من الله وتحقق الوعد بعد تجسيد وحدة الصف في الشام المباركة؟

الجواب:

1/فهم ناضج ومسؤول.

2/خطوات جادة وصادقة.

إن فرصة فتح دمشق ذهبية وجوهرية لانعتاق الأمة من الظلم والذل والهوان، وذلك إن تمكن الحق ومكن للدين وأهله في أرض سورية، وهو ما لا يمكن أن يتحقق دون توأمة والتقاء بين المدرسة السلفية والمدرسة الأشعرية.

لقد كان اللقاء الذي جمع عنوان الشوكة (الفاتح أحمد الشرع) مع عنوان الدعوة الإسلامية، ونموذج التجرد والاستقامة والصدق (الشيخ أسامة الرفاعي، رحمه الله)، لقاء هاما يؤسس لنواة طيبة ومشروع واعد ليصل نوره من طنجة حتى جاكرتا، فينتهي الثقب الأسود الذي أهرق وبدد جهود الأمة في احتراب جاهلي بين أتباع المدرسة السلفية والأشعرية، الأمر الذي عملت عليه الأنظمة المخابراتية، فشكل نصفها دعوة سلفية ودعم نصفها مراكز أشعرية!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights