حذّر الرئيس السوري أحمد الشرع فجر الخميس من محاولات إسرائيلية لإشعال الفتنة داخل الأراضي السورية، متّهمًا تل أبيب بلعب دور محوري في تأجيج الصراع بمحافظة السويداء، جنوبي البلاد.
وقال الشرع في خطابه: “بات واضحًا أن الكيان الإسرائيلي لا يسعى إلى حماية أحد، بل إلى تفتيت وحدتنا. نحن أمام خيارين: إما مواجهة إسرائيل أو إصلاح جبهتنا الداخلية، وسنختار الوحدة والكرامة”.
التوترات الأخيرة في السويداء لم تأتِ من فراغ، إذ شهدت المحافظة اشتباكات دموية خلال الأسابيع الماضية بين مسلحين من الطائفة الدرزية وآخرين من عشائر البدو، على خلفية ثأر قديم ومصالح متشابكة، ما أسفر عن مقتل العشرات وإصابة العشرات، فضلًا عن نزوح عائلات من بعض القرى المتضررة.
تفاقمت الأزمة عقب تدخل القوات الحكومية لفض الاشتباكات منتصف يونيو، إلا أن الموقف ازداد تعقيدًا بعد غارات إسرائيلية جوية استهدفت مناطق قريبة من دمشق والجنوب السوري، تحت ذريعة “حماية الدروز”، ما اعتبرته دمشق تدخلًا مباشرًا في الشأن الداخلي السوري.
وجّه الشرع رسالة واضحة للطائفة الدرزية في سوريا، مؤكدًا أن “أهلنا الدروز جزء لا يتجزأ من نسيج الوطن السوري، وحمايتهم مسؤولية الدولة وليس الكيان الصهيوني”. وأضاف: “نرفض أي محاولات لجرّهم إلى اصطفافات خارجية، ونرفض استغلالهم كذريعة للتدخل الخارجي”.
وشدّد على أن الدولة السورية كلّفت شيوخ العقل والفصائل المحلية بالمساعدة في حفظ الأمن، مؤكدًا أن الحلّ يجب أن يكون سوريًا خالصًا بعيدًا عن التدخلات الأجنبية.
اعتبر الرئيس السوري أن “الكيان الإسرائيلي يسعى إلى خلق ساحة صراع جديدة داخل بلادنا، تمامًا كما فعل سابقًا في الجولان ومناطق أخرى. أدواتهم تغيّرت: لم يعودوا بحاجة إلى قوات نظامية، بل يكفيهم إشعال النزاعات المحلية لخلق حالة انهيار تدريجي”.
وأشار إلى أن “السوريين بتاريخهم الطويل قاوموا كل أشكال التقسيم والانفصال، وسيواصلون ذلك برغم محاولات الخداع الإعلامي والدبلوماسي التي تمارسها تل أبيب”.
ورغم إعلان السلطات السورية التوصل إلى اتفاق تهدئة مع فصائل درزية محلية أواخر يونيو، إلا أن الوضع في السويداء لا يزال هشًا. فقد تم تسجيل عدة خروقات خلال الأيام الماضية، وسط تحذيرات من عودة المواجهات.
وقال مصدر أمني سوري لموقعنا – فضّل عدم ذكر اسمه – إن “بعض المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون ما زالت ترفض الانخراط في أي حوار أو اتفاق، وتمارس قطع الطرق وفرض الإتاوات على المدنيين”، مشيرًا إلى وجود “أدلة على تلقي بعض هذه المجموعات دعمًا غير مباشر من أطراف خارجية”.
وفي خطابه، وجّه الشرع تحذيرًا استراتيجيًا: “امتلاك القوة العظيمة لا يضمن النصر. والانتصار في ساحة لا يعني النجاح في كل الساحات. قد تبدأ الحرب متى شئت، لكنك لن تتحكم بنتائجها”.
وأضاف: “نحن أبناء هذه الأرض، الأصلب في مواجهة الفتن، وسنواجه مخططات التفكيك بكل ما نملك من وعي وإرادة وصلابة”.
يرى مراقبون أن خطاب الرئيس السوري لا يستهدف إسرائيل فقط، بل يحمل رسائل للداخل السوري أيضًا، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور، وارتفاع أسعار المواد الأساسية، وتزايد السخط الشعبي في بعض المناطق.
ويقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط، د. كمال علوان، إن “الشرع حاول من خلال خطابه حشد القاعدة الشعبية حول الدولة، وتوجيه رسالة للمجتمع الدولي أن سوريا لن تسمح بتحول الجنوب إلى بؤرة نزاع دائم. كما أن الخطاب يشير بوضوح إلى تخوف دمشق من دخول المواجهة مع إسرائيل بشكل مباشر في هذا التوقيت”.
اختتم الشرع خطابه بدعوة للوحدة الوطنية، قائلاً:
“الدولة السورية هي حلم كل سوري شريف، وهي الإطار الذي يجمعنا جميعًا. لن نبني وطننا من جديد إلا بالتكاتف، وبالعمل المشترك، وبإعلاء مصلحة سوريا فوق كل مصلحة فردية أو فئوية”.