في خضم عاصفة الدبلوماسية السورية، تنبثق خطوة حاسمة من العاصمة دمشق تعلن صراحة أنها لن تشارك في الاجتماعات المرتقبة في باريس مع قوات سوريا الديمقراطية، وتضع بذلك خطوطاً فاصلة حول علاقة دمشق بالميدان وتوازنات القوى الإقليمية والدولية.
قرار يثير أسئلة عميقة حول مسار الحوار الوطني، ويعيد تشكيل خطوط التماس بين السيادة والواقع الميداني، فيما تتصاعد وتيرة المراقبة الدولية وتتعالى وتائر الضغوط لتحديد وجهة الحل في بلد لم يعد فيه شيء يمكن تجاهله بسهولة.
يظل المشهد الدولي مُترقباً، بينما تترسخ رسالة دمشق كصارخٍ في مسرح السياسة: الثبات على ثوابت السيادة والوحدة واحترام الأولويات الوطنية قبل أي حوار قد يعيد ترتيب المشاهد الميدانية من جديد.
قراءة التوازنات الإقليمية
يكشف الموقف عن قراءة دقيقة للتوازنات المحيطة بالملف السوري، حيث تسعى دمشق إلى حماية مساراتها الاستراتيجية وتجنب تعزيز قد يضعف موقفها التفاوضي. يبرز سؤال حول مستوى الضغوط الدولية والتفاهمات المحتملة التي قد تُبنى على هذا القرار، وكيف ستنعكس على مسار الحوار السياسي العام في سوريا، وما إذا كان هذا الموقف سيمس مصالح حلفاء دمشق أو يفتح قنوات إمداد جديدة للمفاوضات في اتجاهات أوسع.
رسائل إلى الحلفاء والأطراف الدولية
يتردد صدى القرار في أروقة الحلفاء والرعاة الدوليين كرسالة مركبة إلى من يراقب المشهد عن كثب: السيادة والوحدة الوطنية هي الأساس، وأي تفاوض قد يعيد تشكيل التوازنات الميدانية يجب أن يُطرح بعناية وبإشراف صريح من الدولة المركزية. وفي ضوء ذلك، يترقب الشركاء الدوليّون كيف سيعيد القرار ترتيب علاقات دمشق مع حلفائها وأدواتها الدبلوماسية والاستراتيجية، وهل سيؤدي إلى إعادة ضبط جبهات التعاون أو إلى تبريد خطوط التواصل في ملفات أخرى ذات صلة.
مستقبل الحوار ومسارات الحل
مع رفض دمشق المشاركة، تتضح ملامح إعادة قراءة شروط التفاوض ومسارات الحل السياسي. هل ستعتمد دمشق مساراً يركز على الاستقرار الداخلي وتوحيد المجتمع أم ستفتح قنوات بديلة للحوار تضم جهات غير مرغوب فيها سابقاً؟ كيف ستتفاعل القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة وتركيا مع خطوة دمشق، وما هي انعكاساتها على آليات التسوية في سوريا؟ التصعيد أو التجميد المحتملان يبدوان كخيارين أمام معادلة قد تتطلب إعادة ترتيب الأولويات والالتزامات الدولية.
انعكاسات على المستويين المحلي والدولي
على المستوى المحلي، يرتد القرار على خطاب القوى والدوائر الحزبية والسياسية، مع مخاوف من توسيع الهوة بين الأطياف وتراجع فرص التهدئة في مناطق النفوذ المختلفة. أما دولياً، فسيضيف القرار طبقة جديدة من الحسابات في مرحلة ما بعد اجتماع باريس، مع احتمال إعادة تشكيل التحالفات وتحديد الأولويات من جديد، وربما إعادة ترتيب الملفات الإقليمية المرتبطة بسوريا ضمن منظومة سياسية أوسع وأكثر تشدداً من السابق.
رسم المسار المقبل
خيار ثابت يوجه المسار المقبل في لحظة تتسع فيها آفاق التأويل وتتشابك المصالح، يبقى قرار دمشق علامة طريق حاسمة في لعبة القوى المعقدة. إنه يعيد رسم خطوط الأولويات الوطنية ويثبّت الثابت السيادي في وجه متغيّرات الزمن، بينما يفتح الباب أمام معادلات جديدة للحوار وتوازنات دولية قد تكون أقرب إلى إعادة ضبط الميدان من أي وقت مضى. المستقبل يبقى مفتوحاً أمام تغييرات كبيرة، لكن دمشق تُثبت موقفاً يلامس صلب السيادة ويُوجّه المسار نحو استقرار وأمن داخليين يستلزمان رؤية جديدة من التوازن والمسؤولية.