حوارات

الشيخ علي فاضل: الأنظمة العربية باعت القضايا العادلة من أجل مصالحها الشخصية

♦ شهادة معتقل سياسي سابق حول الحياة في المعتقلات وواقع الحركات الإسلامية بالجزائر ♦ لا يوجد في الجزائر حزب اسمه الإخوان المسلمون

علجية عيش – الجزائر

الحديث عن حياة المعتقل والسجون والتعذيب حديث ذو شجون وما يحدث للمعتقلين من حالات قهر  فهم بين اليأس والأمل، منهم من ينام ويستيقظ  على الكوابيس ويكاد أن يطرق باب الجنون ومنهم من يلجأ إلى الإضراب عن الطعام، يروي محدثنا كيف كانت الحياة داخل السجون وبالأخص السجن العسكري ورقلة و كيف كانت التضييقات داخل زنزانات مظلمة لا يوجد فيها إنارة، نقص في التغذية والتداوي كل المرئيات العنفية تسبب لهم اضطرابات عقلية ونفسية، والشيخ علي فاضل واحد من المعتقلين السياسيين الذي عاش تجربة السجون هي تجربة تحفر في الذاكرة  حول ظروف المعتقلين وما قاسوه داخل السجون، ولا شك أن هذا الحوار سيلقي الضوء على جوانب كثيرة من تجارب الاعتقال السياسي، التقينا بالشيخ علي فاضل بمدينة عناية وهو معتقل سياسي سابق، إطار دولة، أعيد له الاعتبار مؤخرا بعودته إلى منصبه كمساعد  مدير المالية و المحاسبة بالمؤسسة المينائية لعنابة، ما وقفنا عليه هو أن محدثنا يتمتع بالرزانة والحيوية والرقيّ  الثقافي والمسؤولية الفكرية والسياسية، بحكم خبرته في قطاع التربية  وفي إدارة تابعة لقطاع حساس فالحديث معه ممتع جدا لأنه أعاد إلى الذاكرة ما مرت به الجزائر من أيام سوداء، أراد لها أعداؤها أن تخرج عن مسارها الحضاري

– من هو الشيخ علي فاضل؟ و ماذا يفعل في الحياة؟

— الشيخ علي فاضل هو أبو يعقوب علي بن أحمد بن الطيب بن الشريف بن شريف فاضل العنابي الجزائري، من مواليد 27 سبتمبر 1959 بمدينة عنابة من عائلة فقيرة محافظة وثورية، بحيث كان جدّي الطيب مسئولا لخلية جبهة التحرير الوطني خلال الجهاد الجزائري ضد الاستعمار الإفرنجي و كان أخوه علي قد سقط شهيدا في ساحة الوغى كما أن خالي كان مجاهدا قحا وقد خدموا الثورة الجزائرية، وأنا حامل شهادة ليسانس علوم تجارية ومالية فرع محاسبة مالية خريج المدرسة العليا للتجارة الجزائر العاصمة دفعة 1981، عملت أستاذ التعليم الثانوي تقني تسيير بمتقن عنابة السنة الدراسية 1981-1982  وبمتقن أبي مهاجر دينار سوق أهراس خلال الفترة 1982-1983 و 1985-1987 حيث قمت بتدريس مادة المحاسبة، الرياضيات المالية، القانون، الإحصاء والاقتصاد باللغتين الفرنسية والعربية، الآن اشغل منصب مساعد مدير المالية والمحاسبة بالمؤسسة المينائية لعنابة براتب مساعد الرئيس المدير العام للمؤسسة، متزوج بامرأتين ولي أربعة أولاد، بنت وهي الكبرى متحصلة على شهادة ماستر 2 في علم البحار، وثلاثة ذكور كبيرهم ولد وأنا بالمركز الأمني سعيد عتبة ورقلة مايو 1992 بحيث قضينا وقتها ثماني سنين وثلاثة شهور بالسجون العسكرية (ورقلة، بشار و قسنطينة) حين حكم علي بالمؤبد ابتداءً و بعد الاستئناف حكم علي بسبع سنوات، وبما أني لبثت في السجن 8 سنين و3  شهور أفرج عني  بتاريخ 10 مايو 2000 وليس لهذا علاقة بالمصالحة ولا الهدنة ولا الوئام المدني، لقد كانت محاكمة خاصة.

 – معروف عنكم الانتماء إلى التيار الإسلامي كيف ترون واقع الحركة الإسلامية في العالم العربي والإسلامي وفي الجزائر بالخصوص؟

— هو واقع مرٌّ ولا شك، لما يشتغل بالخلافات  الهامشية التي لا تسمن ولا تغني من جوع و يرمي بعرض الحائط المشروع الإسلامي والذي غايته المنشودة إقامة شرع الله ولا الدولة الإسلامية وعلى أساس الوسطية الحقة التي وصفنا بها المولى عز و جلّ في كتابه لما قال: “وكذلك جعلناكم أمّة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا”، فقد نختلف في المفهوم لكن نجتمع على الغاية وهذا شيء لم يحصل بعد، فالاختلاف في عهد النبي كان موجودا ووقع اختلاف بين الصحابة في غزوة الخندق (الأحزاب)، وهذا  الاختلاف لم يُنَفِرّ بعضهم بعضا، ولكن وقفوا صفا واحدا لمقاتلة اليهود، فأين الحركة الإسلامية  في البلدان العربية والجزائرية من هذا؟ فما هي إلا استعراض للعضلات، وكلٌّ منها يدّعي أنّه على حق، ولكن الحق في التأسّي بمنهجِ تغييرٍ وضع النبيّ أسسه واقتفى آثاره الصحابة وهم خليق أن نقتدي بهم، كيف لا وهم الذين مدحوا قبل أن يُخْلقوا في مثل قوله تعالى في أواخر سورة الفتح: {محمد رسول الله والذين معه}، فالحركة الإسلامية في خلاف وعليها نبذه ولا يتعصب كلّ برأيه، أما واقع الحركة الإسلامية في الجزائر فشيء مؤسف لوجود الصراعات الهامشية وذلك  منذ تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ ذات المشروع الإسلامي الحضاري الرشيد التي كانت تريد جمع كل من يحمل المشروع الإسلامي على كلمة واحدة، و لكن لمّا كان كل رؤوس الحركة في الجزائر من يريد  الزعامة وقع ما وقع، فبعد نجاح الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات البلدية ظهرت رؤوسا لتؤسس كلّ من حماس والنهضة، هي أحزاب البطاحية التي أوصلت الحركة الإسلامية إلى ما عليها الآن، وقد ذابت بعد تطبيق سلطة الأمر الواقع، سياسة تكميم الأفواه والقمع والاستبداد وهو الواقع الذي نعيشه اليوم.

– هل ما حدث من اضطرابات في الساحة العربية كان سببه وجود فجوة أجيال أم تعنت أنظمة أم غياب الوعي السياسي أم هو راجع إلى نوعية الخطاب الديني؟

— أجيب من الأخير..  الذي يريد أن يفصل الدين عن السياسة لا يفقه في السياسة شيئا، لأن السياسة في الإسلام هي سياسة تدبير الأمور، سياسة رحمانية مبنية على قال الله قال الرسول، فأول عدالة اجتماعية حُقِّقَتْ في تاريخ البشرية حققها النبي صلى الله عليه وسلم لمّا آخى بين المهاجرين و الأنصار، لما قال بعد وصوله إلى المدينة: «تآخوا في الله أخوين أخوين» وقال: من كان له فضل زادٍ فليعُدْ به على من لا زاد له و من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، فكان الرجل من الأنصار له بيتين يتنازل عن بيت من بيوته لأخيه المهاجر.. الخ، تلكم هي السياسة الرحمانية التي نصبو إليها، أما من حيث تعنت الأنظمة فهو واضح جليا، فالأنظمة العربية باعت القضايا العادلة من أجل مصالحها  الشخصية و هي البقاء في السلطة ولا تهمها مصالح شعوبها، أما من حيث غياب الوعي السياسي فهو يختلف من بلد إلى بلد، ووعي الشعب الجزائري قد فاق كل الشعوب بحراكه السلمي الذي أبهر العالم بأكمله.

– ألا تلاحظون أن ما وقع من أحداث في الساحة العربية غذّته مصطلحات ومفاهيم ابتكرها محللون ونقاد كالإسلام السياسي، الإسلاموفوبيا والإسلاموية؟ وهل يؤمن علي فاضل بما بعد الإسلاموية؟

— هذه المفاهيم كانت وراء تعقد الأمور جعلت الصراع يشتد أكثر بين الأنظمة والحركات الإسلامية، أوضح هنا أنني لست من الدعاة ولا من الذين يزكون مبتكري هذه المصطلحات لأنها دخيلة علينا فيكفينا التعبير القرآني، عن نفسي أنا أنبذ هذه المصطلحات، لأن الله قال على لسان أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم «هو سمّاكم المسلمين من قبل»، ومصطلح الإسلاموية دخيل علينا، أنا أؤمن بالمشروع الإسلامي الوسط الذي حثّ عليه القرآن الكريم ووضع أسسه النبيّ والذي فيه  تعايش المسلمين وغير المسلمين المسالمين، فالسياسة الشرعية لها ضوابطها و لا داعي لتغيير المصطلحات عسى أن نجلب كثير من السواد، و قد كتب في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رسالة لطيفة موجزة وجامعة سمّاها «السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية» علينا تبسيط مفاهيمها وخلق وسائل تطبيقية لها، أما واقع الجزائر و تضارب المفاهيم فمن الصعب تحقيق ذلك على الفور، لابد من التدرج في التغيير.

– يشهد الخطاب الديني والسياسي تطورا واسعا، فهناك أصوات تنبئ بظهور مرحلة ما بعد الإسلاموية مثلما نراه في ما بعد الحداثة؟

— ليس هناك خطاب ديني وسياسي، يوجد في الدين السياسة والاجتماع والثقافة والأخلاق، كما أنه ليس هناك إسلام أصولي وإسلام عصري يستعمل أيّ  وسيلة يراها مناسبة لتحقيق النتيجة ولو بالتنازل على بعض الثوابت، فالدين واحد والغاية لا تبرر الوسيلة وقد قال الله عزّ وجلّ: {إن الدين عند الله الإسلام}، كما أن العمل الصالح لا يُعْرَفُ بنتائجه بل يُعْرَفُ باستعمال الوسائل المشروعة و قد لا تحقق النتائج، فالنبيُّ نوح مكث في قومه 950 سنة دعوة، تروي كتب التفسير أن في رواية  استجاب له 8 نفر فقط، ورواية أخرى تقول 48 نفر، فقد تتغير الوسائل لكن لابد أن تبقى تحت الدليل العام بما يسمى في الفقه بالمصالح المرسلة، وأسوق في ذلك مثالا: جمع القرآن يبقى محفوظا و دليله العام: {إنّا نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون}  وقوله عز وجلّ: {إنّا علينا جمعه و قرآنه}، أما الحداثة، حتى لو كانت في سياق السؤال إن لم تكن لها صلة متينة بشروط التمكين فلن تمكّنّ لهذه الأمة أبدا.

– لنعد إلى الجزائر النموذج، عاشت بلادنا مرحلة قاسية جدا حينما اصطدمت بظهور الأحزاب الإسلامية بداية من عشية الاستقلال إلى ظهور حزب الإخوان ثمّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي اغتصب النظام حقها الشرعي  بعد فوزها في الانتخابات وهذه حقيقة يعرفها الجميع وحتى الرأي العام العربي و الدولي كيف تفسرون ذلك؟

— أولا لم يكن هناك حزب في الجزائر اسمه الإخوان المسلمين، بل كانت جماعة من الدعاة ينشطون  في إطار غرس الوعي الإسلامي بالمساجد و إلقاء المحاضرات عندما تكون هناك معارضة إسلامية و تعليم الناس دينهم و تحفيزهم على العودة إلى الأصل، فكانت جماعة واحدة،  إلى أن بدأت تظهر بعض الأفكار في وسائل التغيير و إنهاض الأمّة من سباتها و إرجاعها إلى رشدها، فانقسمت الجماعة إلى جماعات، فكانت جماعة الإصلاح بما تسمى بجماعة الجزأرة، و قد تكفلت هذه الجماعة بنشر فكر مالك بن نبي رحمه الله في التغيير، و جماعة الإخوان المسلمين المستنبط  فكرها من جماعة الإخوان المسلمين  بمصر، بحيث انقسمت إلى شقين: جماعة الشيخ محفوظ نحناح و التي أعطت ولاءها المطلق  إلى المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بمصر و الممثل في شخص الشيخ السالف ذكره، كانت هذه الجماعة مقتنعة بعالمية  دعوتها فسميت العالمية، ثم جماعة الشيخ عبد الله جاب الله الذي كان مقتنعا بفكر جماعة الإخوان بالإقليم، بمعنى نشر الفكر الإخواني عبر إقليم الجزائر  فسميت بالإقليمية

– ماذا عن الرجل الثاني في الفيس الشيخ علي بنحاج؟

— بالنسبة لعلي بن حاج فك الله أسره من المضايقات، هناك أتباع أو متبعي للشيخ علي بن حاج وليس جماعة، كانوا يرون أن المنهج الحق للرجوع إلى الإسلام الحق هو منهج الصحابة في التغيير والرجوع إلى الله، لأنهم سلفنا ولأنهم عايشوا التنزيل، فكلما استشكل عليهم أمر من أمور الدين إلا و سألوا فيه النبيّ فيجيبهم فَيُزَالُ الإشكال، وهذا المنهج هو الذي تبنته الجبهة الإسلامية للإنقاذ في مشروعها عند تأسيسها كحزب سياسي  بعد نهج السلطة الفعلية وقتها سياسة التعددية الحزبية و فتح مجال للنشاط السياسي في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله الذي كان يلقب بأبي الديمقراطية، فالدعوة الإسلامية في عهده بلغت أوجه العطاء و الشاذلي رحمه الله كان  يسمح للمتطوعين أن يعطوا دروسا في أيّ مسجدٍ، أشير هنا أن ذلك وقع بعد أحداث 05 أكتوبر  الدامية و التي سمح الشاذلي بن جديد بخروج العسكر إلى الشارع و بتصريح منه في قناة الجزائر التلفزيونية، ثم ظهرت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد اعتمادها في سنة 1989 بقيادة الشيخ عباسي مدني و نائبه علي بن حاج، فالتف حولها الشعب الجزائري، فكانت جبهة الشعب الجزائري، ولما فازت الجبهة في الانتخابات المحلية أغاض ذلك المتأخرون عن الركب، فأسس محفوظ نحناح حزب حماس وأسس عبد الله جاب الله حزب النهضة، لم يضعف ذلك من شأن الجبهة الإسلامية للإنقاذ فكانت التجمعات تلو التجمعات عبر مدن الجزائر كلها لنشر الوعي،  والتعريف ببرنامجها الرشيد مما جعل السلطة وقتها تقنن قوانين تضيق به على البلديات، فجاء الإضراب العام  الذي أقره مجلس الشورى للوطني، في الأول كان لمدة 03 أيام فقط و لما كان له صدى أصبح غير محدود، لكن تم توقيفه عنوة  وبالقوة بخروج القبعات الزرقاء و الخضراء إلى الشارع و ضرب المعتصمين بالرصاص الحي بشوارع العاصمة وسوق اهراس ومدن أخرى وتم بعدها اعتقال الشيخ عباسي مدني من مقر المكتب الوطني وعلي بن حاج في بلكور.

– ما يتردد  أن الشيخ عباسي مدني بعد توقيفه ترك وصية، ما مضمونها؟

— لم يتوقف مسار الجبهة الإسلامية للإنقاذ هنا، فقد أوصى الشيخ عباسي مدني رحمه الله الشيخ محمد السعيد بقوله: «حافظوا على الجبهة الإسلامية الأصيلة فكان للشيخ عبد القادر حشاني رحمه الله شأن في توليه لقيادة الجبهة ونجحت بـ: 188 مقعدا في البرلمان، وهذا النجاح أغاض العلمانيين من جبهة القوى الاشتراكية FFS والتجمع الوطني الديمقراطي RND،  فكانت مسيرة الأفافاس التي نتج عنها توقيف المسار الانتخابي ومصادرته والانقلاب على إرادة الشعب بالعسكر وإعلان الشاذلي بن جديد استقالته يوم 11 جانفي 1992، اليوم الذي كان ينتظر فيه الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات من طرف المجلس الدستوري.

– في رأيكم من هو المتواطئ الرئيسي في عملية الانقلاب على الفيس؟

— ظلم السلطة للجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس) كان بتواطؤ الأحزاب العلمانية وأشدها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (RCD) بقيادة سعيد سعدي الذي أعلنها جهارا في لقاء تلفزيوني جمعه بعباسي مدني وقال له: «ما نخليوكمش تفوتوا» كانت له ضمانات  العسكر الذي كان يخشى على مصالحه وهو السبب في كل انتكاسات الجزائر، دون أن ننسى الأيادي الخارجية وعلى رأسها فرنسا التي تركت أذنابها بعد الاستقلال، فنحن اليوم نعيش استعمارا جديدا بثياب وبدلات جزائرية.

– كنتم من ضمن المعتقلين السياسيين، لا شك أنكم ذقتم مرارة السجن و التعذيب، نعلم أن الموقف صعب جدا عندما يعاد المشهد أو الشريط لكن ماذا تقولون في ذلك؟

— تم اعتقالي مرتين الأولى في عهد الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد انقلاب السلطة على إرادة الشعب فكان اعتقالي يوم 11 فيفري 1992 يومين بعد إعلان حالة الطوارئ وزُجَّ بي في معتقل سعيد عتبة ورقلة، فكان التعذيب المعنوي والمادي ولبعض البارزين، وبعد سنة من الاعتقال تم إدانتي بتهم عدّة منها رئيس عصابة مسلحة داخل المركز الأمني، الحرق والتخريب العمدي داخل المؤسسة الأمنية، فحكم عليّ ابتداءً بحكم المؤبد في أفريل 1994 وبعد الاستئناف تمت محاكمتي في 09 ماي 2000 بالمحكمة العسكرية بقسنطينة مع مجموعة من المعتقلين السياسيين فحكم علي بـ: 07 سنوات سجنا نافذا، وبالنظر لمكوثي بالسجن لمدة 08 سنوات و 03 شهور  أطلق سراحي، الاعتقال الثاني كان في ظل الحراك الشعبي السلمي الذي بدأ في 22 فيفري 2019 كنت يومها متواجدا بساحة الثورة وتم توقيفي عنوة وبطريقة قمعية تم اقتيادي إلى مقر أمن الولاية ولما لم يجدوا ما يدينني حولوني إلى أمن الطارف بعد وشاية من أحد الموقوفين وأخبرهم أنيّ كنت عضوا ناشطا في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، خاصة وأنا كنت أؤدي خطبة الجمعة في التسعينيات، وخلال تواجدي في المدة الأخيرة بسجن الحراش كنت مكلفا بأداء خطبة الجمعة.

– هل وجهت لك تهما جديدة؟

— نعم وجهت إليّ تهمة الانتماء إلى حركة «رشاد» كجناية و ثلاث جنح: ( تلقي أموال من  الخارج، المساس بالوحدة الوطنية، والتحريض على التجمهر الغير مسلح)، أودعت سجن القليعة لمدة 07 أشهر بتاريخ 30 أبريل 2022  و لما تمادى القضاء في التحقيق معي في الموضوع باشرت في إضراب عن الطعام لمدة  10 أيام، ثم قيامي بإضراب ثاني عن الطعام لمدة 10 أيام بتاريخ 18 يوليو 2022  رغم أني مريض مزمن ( السكري)، إلى أن تم إسقاط عني الجناية، وسأركز هنا على تهمة الانتماء لحركة رشاد، كان هناك أخذ ورد  بيني وبين القاضي، الذي سألني: ما رأيك في حركة رشاد؟ فكان ردي وبكل جرأة : سؤال غير وجيه، فغضب القاضي ولكني وضحت له أن  قاضي التحقيق غرفة رقم 01 لمحكمة سيدي امحمد أحالني على محكمة الجنح وأكدت عدم انتمائي إلى هذه الحركة، وقد رافع في القضية 07 محامون وبعد أسبوع استفت على حكم البراءة وتم إطلاق سراحنا يوم 01 ديسمبر 2022، وفي هذا أقول: نحن نرفض سياسة تكميم الأفواه إذا كان بلدنا الجزائر شعاره الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.

– بعد خروجكم من المعتقل انتقلتم إلى مجال الدعوة ما هي العقبات التي واجهتكم؟

— العقبات بدأت منذ اتخاذنا موقفا لا رجعة فيه وهو الانتماء إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ وصدور تعليمات لمنع كل من ينتمي إلى الفيس بنشر الدعوة داخل المساجد أو حتى تقديم درس، فكانت هناك طرق لتحقيق الهدف وتقديم الرسالة الدعوة عن طريق الخطاب الأكاديمي الذي كان الميسر البسيط،  فلما تم تزكيتي من قبل إمام مسجد الحي الذي اقطن فيه و بعد التحقيق الأمني (الاستعلامات العامة IRG) تم رفض للطلب لأنني أمثل لهم خطرا .

– يقال إن مشروع المصالحة الوطنية فاشل و لم تكتب له الاستمرارية  بدليل ان السلطة تستمر في تعنتها و ترفض الإفراج عن سجناء التسعينيات و هناك من توفوا داخل السجن بدون تهمة واضحة، في المقابل هناك من ينتقد لقاء سانت إيجيديو ما هو موقفكم من هذا كله؟

— هي المصالحة الوطنية المبتورة بدليل أن سجناء التسعينيات لا يزالون يقبعون في السجون وهناك من أعرفهم شخصيا بالسجن العسكري، منهم ابراهيم  بوعام من تندوف اعتقل في سنة 1993، وليتيم ميلود وشيخاوي عبد الناصر من النعامة، وأنا أعتبر نفسي ضحية هذه المصالحة الوطنية المبتورة فلم يتم تعويضي عن السنوات الثمانية التي قضيتها في السجن بعيدا عن أسرتي، ولذا تأخرت عن دفع ملف التقاعد، أما عن تعنت النظام فهو متجذر ولا يمكن قلعه بسهولة، فهو يملك كل الوسائل لبقائه في السلطة والتغيير لا يصبُّ في مصالحه المادية وهو يعي أن التغيير حق  وتحقيق دولة العدل والقانون تجعله على الهامش، أما من ينتقد لقاء سانت إيجيديو، فأنا وقتها كنت في السجن ولا أعلم عنه إلا القليل وهو كان يصبّ في جمع القوى الفعالة لخروج الجزائر من الأزمة آنذاك، لكن تعنت النظام دائما حال دون تحقيق ذلك ونحن إلى اليوم ندور في حلقة مفرغة.

– هناك تناقض في الأفكار بين التيارات الإسلامية  في الجزائر خاصة في مسالة الديمقراطية، كان من المفروض أن يكون توافق بين عباسي وبن حاج ونحناح باعتبار أن حزب الإخوان والفيس كان له صدى في الساحة كيف توضحون ذلك؟

— الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم تكن يوما تؤمن بمصطلح الديمقراطية المزعوم، فكانت توثر أن مصطلح الشورى هو الأنسب لما فيه من وصف الله للمؤمنين (وأمرهم شورى بينهم) وهذا ليس بتناقض ولكن اختلاف في الفهم جعل الشيخ محفوظ نحناح يخرج لنا بخرجة خارقة للعادة بمصطلح «الشوراقراطية» جعل النظام يخرج العسكر لمصادرة الانتخابات، حيث قال: يجوز خروج الجيش لحماية الديمقراطية، و الجبهة الإسلامية لم تنبذ مصطلح الديمقراطية على الإطلاق  ولكن لما يكون فيه إعطاء الحرية للشعب في الإدلاء برأيه، شريطة أن لا يصطدم ذلك بمقومات الشخصية الجزائرية المبنية على الدين الإسلامي.

– ما هي الصورة التي يرسمها الشيخ علي فاضل عن الديمقراطية؟

— الديمقراطية بمفهوم حكم الشعب هي غائبة وغير موجودة في الجزائر بدليل أنه لما خرج الشعب الى الشارع يوم 22 فيفري 2019 مطالبا بتنحية بوتفليقة  ثم المطالبة بتطبيق  المادة 07 و08 من الدستور التي فيها السلطة  للشعب، لم تسمع السلطة الفعلية له ورمت بمطالبه عرض الحائط وهي الآن تجني ثمار غلق كل المنافذ على الشعب واستعمال سياسة تكميم الأفواه والقمع، فنحن في طريق مسدود وليس هناك ديمقراطية في الجزائر.

كلمتكم الأخيرة

 أخاطب العقلاء في الجزائر الحبيبة  تعالوا لإنقاذها بالتعاون و نضع اليد في اليد، فالجزائر لا تخلوا من المخلصين، نحن ننقد الخطأ فقط ولسنا أعداءً للجزائر، فالجيش جيشنا وأبناؤنا منخرطين فيه، مهمته الدفاع عن الحدود، والشرطة شرطتنا وغيرها من الأجهزة الأمنية، فلنصغي إلى صوت الحق، ونناشد الرئيس عبد المجيد تبون بإطلاق جميع المعتقلين السياسيين من التسعينات إلى يوم الناس هذا، من أجل لم الشمل الجزائري، فهم أبناء الجزائر قبل كل شيء، لا نحيد عن الحق قدر أنملة والمجد والخلود للشهداء وتحيا الجزائر.

حوار الكاتبة الصحفية علجية عيش – الجزائر

علجية عيش

صحفية جزائرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى