أدانت منظمة الصحة العالمية بشدة الأمر العسكري الإسرائيلي الأخير الذي يطالب بإجلاء جماعي لأكثر من مليون فلسطيني من مدينة غزة، ووصفته بأنه عمل غير مقبول من التهجير القسري والذي من شأنه أن يخلق كارثة إنسانية.
أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس أن الوكالة الأممية وشركاءها سيواصلون العمل في مدينة غزة وتقديم المساعدات الطبية للمدنيين.
وقال تيدروس إن “منظمة الصحة العالمية تشعر بالفزع إزاء أمر الإخلاء الأخير، الذي يطالب بنقل مليون شخص من مدينة غزة إلى ما يسمى “المنطقة الإنسانية” في الجنوب التي حددتها إسرائيل”.
وحذر من أن المنطقة التي خصصها الاحتلال غير كافية إطلاقًا لاستيعاب النازحين. وأكد أن “المنطقة لا تتمتع بالمساحة ولا بالخدمات الكافية لدعم النازحين، ناهيك عن الوافدين الجدد”، مضيفًا أن التخلي عن مدينة غزة سيكون له عواقب وخيمة على الصحة العامة والرعاية الطبية.
أشار تيدروس إلى أن “نصف المستشفيات العاملة تقريبًا تقع في مدينة غزة”، محذرًا من أن النقل القسري للمرضى والأطباء والكوادر الطبية قد يُودي بحياة أعداد لا تُحصى. ودعا المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل، والمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، وضمان حماية المدنيين والكوادر الطبية والعاملين في المجال الإنساني.
ورغم القصف المتواصل، لا يزال أكثر من 1.2 مليون فلسطيني يعيشون في مدينة غزة وشمال غزة، رافضين مغادرة منازلهم وأحيائهم، بحسب مكتب الإعلام الحكومي في غزة.
في بيانه، اتهم المكتب الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ سياسة تطهير عرقي، مخالفًا بذلك القانون الدولي. وأضاف: “إسرائيل تسعى لفرض نكبة جديدة على شعبنا”، داعيًا المجتمع الدولي إلى وقف حملة التهجير قبل فوات الأوان.
يقطن مدينة غزة وشمال غزة معًا أكثر من 1.3 مليون نسمة، منهم حوالي 398 ألفًا في محافظة شمال غزة وأكثر من 914 ألفًا في محافظة غزة. وقد بدأت آلاف العائلات النازحة جنوبًا بالعودة إلى منازلها رغم الخطر، حيث أفاد المكتب الإعلامي أن أكثر من 12 ألف شخص عادوا إلى الشمال خلال الأيام القليلة الماضية.
وأضاف البيان أن “ظاهرة النزوح العكسي تعكس الظروف التي لا تطاق في الجنوب، حيث لا يوجد مأوى مناسب، ولا طعام، ولا مياه نظيفة”.
أدان المكتب ادعاء إسرائيل بأن منطقة المواصي، وهي شريط ساحلي على طول خان يونس ورفح، ملاذ آمن. وكشف أن ما يقرب من 800 ألف شخص محشورون في المنطقة في ظروف غير إنسانية.
«تعرضت منطقة المواصي لـ 109 غارات جوية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 2000 فلسطيني»، جاء في البيان، مشيرًا إلى أن المنطقة تفتقر إلى المستشفيات والبنية التحتية والكهرباء والمياه والصرف الصحي. «هذه ليست منطقة آمنة، بل منطقة موت».
هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً بشن هجوم بري كبير على مدينة غزة، متفاخراً بأن جيشه دمر بالفعل 50 برجاً سكنياً في يومين فقط.
وقال في تصريحات أدانها الفلسطينيون على نطاق واسع باعتبارها حربا نفسية وعقابا جماعيا: “أقول لسكان غزة، لقد تم تحذيركم – غادروا الآن!”.
ويحذر المحللون والمسؤولون الفلسطينيون من أن مثل هذه الخطابات تشير إلى استعدادات لغزو بري واسع النطاق، مما قد يؤدي إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين في واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم.
تحثّ منظمات حقوق الإنسان والقادة الفلسطينيون المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات فورية لوقف ما يصفونه بحملة إبادة جماعية. ويؤكدون أن التهجير القسري والقصف العشوائي واستهداف “المناطق الآمنة” تُشكّل انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي.
قال أحد سكان مدينة غزة خلال احتجاج يوم الثلاثاء: “لن يُطرد أهل غزة من أرضهم. لقد نجونا من نكبة عام 1948، وسننجو منها أيضًا”.
مع اقتراب المستشفيات من الانهيار، وتناقص الإمدادات الغذائية، وتصاعد التهديدات الإسرائيلية، ينظر الكثيرون إلى قرار منظمة الصحة العالمية بالبقاء في مدينة غزة على أنه شريان حياة – وعمل نادر من التحدي من قبل هيئة دولية في مواجهة ما يسميه الفلسطينيون محاولة إسرائيل المنهجية لإفراغ غزة من سكانها.