تشهد الساحة السياسية السنغالية منذ مطلع يوليو 2025 تصاعدًا غير مسبوق في حدة الخلافات بين الرئيس باسيرو ديوماي أفاي ووزيره الأول عثمان سونكو، في مشهد يعيد إلى الأذهان أزمات السلطة في تجارب ديمقراطية إفريقية أخرى.
لم يعد الخلاف بحسب الخبير الموريتاني في الشئون الإفؤيقية سلطان البان في تغريدة له علي “منصة ” إكس حبيس الكواليس، بل خرج إلى العلن عبر تصريحات مباشرة من سونكو، الذي كشف للرأي العام عن عمق الأزمة التي تعصف برأس السلطة التنفيذية في البلاد.
تداعيات الخلاف علي التحالف
بعد فوز تحالف الرئيس أفاي وسونكو في انتخابات مارس 2024، بدا أن السنغال تدخل مرحلة جديدة من الحكم الرشيد، مع وعود بالإصلاح ومحاربة الفساد.
غير أن هذا التحالف سرعان ما بدأ يتصدع، خاصة مع تباين الرؤى بين شخصية الرئيس الهادئة والمائلة إلى التوافق، وطباع الوزير الأول الحادة والمتمسكة بمواقفها.

في خطاب حاد ألقاه سونكو يوم 10 يوليو 2025 أمام المجلس الوطني لحزبه “باستيف”، وجه انتقادات مباشرة للرئيس أفاي، متهمًا إياه بعدم التجاوب مع مطالب جوهرية تتعلق بإدارة الدولة، وبتبني موقف غامض تجاه ما وصفه بـ”التحامل المنهجي” ضده داخل السلطة.
وأعلن سونكو صراحة:”لن أستقيل، وإذا اعتبر الرئيس أنني غير مناسب، فليعبر عن ذلك”.
وقد عد هذا التصريح عُدّ نقطة تحول في العلاقة بين الرجلين، إذ انتقل الخلاف من دائرة التوازن الحذر إلى مواجهة مكشوفة.
الإصلاحات ومحاربة الفساد
منذ توليه السلطة في أبريل 2024، سعى الرئيس أفاي إلى ترسيخ صورة جديدة للسلطة في السنغال، فبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد، شملت إحالة خمسة وزراء سابقين من حكومة ماكي سال إلى القضاء في مايو 2025، بتهم تتعلق باختلاس أموال عامة مخصصة لصندوق مكافحة كوفيد-19.
وقد اثارت هذه الخطوة، رغم ترحيب الشارع بها، مخاوف المعارضة من استغلال القضاء لتصفية الحسابات السياسية، خاصة مع اتهام بعض النواب للأغلبية البرلمانية بتسييس الملف.
تزامنت الأزمة بين أفاي وسونكو مع تحديات اقتصادية وأمنية حساسة، أبرزها إعلان الرئيس في يناير 2025 عن إنهاء الوجود العسكري الأجنبي في البلاد، في خطوة تهدف لتعزيز السيادة الوطنية.

لكن الخلافات داخل السلطة التنفيذية تثير تساؤلات جدية حول قدرة النظام الحاكم على الاستمرار في ظل رؤيتين متعارضتين تتنافسان على النفوذ. فغياب الوضوح في توزيع الصلاحيات بين الرئيس والوزير الأول، كما تشير تجارب إفريقية سابقة، غالبًا ما يؤدي إلى إقالة أو انقسام سياسي واسع.
حتى اللحظة ، يلتزم الرئيس أفاي الصمت، إذ يقضي زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة، بينما تتزايد التكهنات حول مصير التحالف الحاكم، وإمكانية إعادة تشكيل العلاقات داخل السلطة أو حتى إعادة توزيع الأدوار في قمة هرم الدولة.
ومن المهم الإشارة إلي أن السنغال تعيش اليوم على وقع أزمة سياسية عميقة، قد تشكل منعطفًا حاسمًا في مسارها الديمقراطي. فبينما يصر الوزير الأول على مواقفه الإصلاحية، يواجه الرئيس ضغوطًا متزايدة للحفاظ على وحدة السلطة واستقرار البلاد.
هنا يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح السنغال في تجاوز هذه الأزمة بالحوار وإعادة بناء الثقة بين قطبي السلطة، أم أن البلاد مقبلة على مرحلة جديدة من إعادة تشكيل المشهد السياسي؟