الأمة الثقافية

“الضجيجُ العذبُ”.. شعر: عمر بهاء الدين الأميري

قصيدة الشاعر السوري الراحل عمر بهاء الدين الأميري (رحمه الله) في الحنين إلى أولاده حينما سافروا وتزوجوا وتركوه وحيداً في بيته

تُرجمت هذه القصيدة إلى معظم لغات العالم

قال عنها عباس محمود العقاد : (لو كان للأدب العالمي ديوان؛ لكانت هذه القصيدة في طليعته)

——————————

أين الضجيجُ العذبُ والشغبُ

أين التدارسُ شابه اللعبُ ؟

أين الطفولةُ في توقدها

أين الدمى في الأرضِ والكتبُ؟

أين التشاكسُ دونما غرضٍ

أين التشاكي ماله سببُ؟

أين التباكي والتضاحكُ في

وقتٍ معا والحزنُ والطربُ؟

أين التسابقُ في مجاورتي

شغفا إذا أكلوا وإن شربوا؟

يتزاحمون على مجالستي

والقربِ مني حيثما انقلبوا

يتوجهون بسوْقِ فطرتهم

نحوي إذا رهبوا وإن رغبوا

فنشيدُهم : ( بابا ) إذا فرحوا

ووعيدُهم : ( بابا ) إذا غضبوا

وهتافهم : ( بابا ) إذا ابتعدوا

ونجيّهم : ( بابا ) إذا اقتربوا

بالأمسِ كانوا مِلءَ منزلِنا

واليوم ويح اليوم قد ذهبوا

وكأنما الصمت الذي هبطت

أثقالُه في الدار إذ غربوا

إغفاءةَ المحمومِ هدأتها

فيها يشيعُ الهمُ والتعبُ

ذهبوا أجل ذهبوا ومسكنُهم

في القلبِ ما شطّوا وما قربوا

إني أراهم أينما التفتتْ

نفسي وقد سكنوا وقد وثبوا

وأحسُّ في خلَدي تلاعبَهم

في الدار ليس ينالهم نصبُ

وبريق أعينهم إذا ظفروا

ودموع حرقتهم إذا غلبوا

في كلِّ ركنٍ منهمُ أثرٌ

وبكل زاويةٍ لهم صخبُ

في النافذات زجاجها حطموا

في الحائط المدهون قد ثقبوا

في الباب قد كسروا مزالجَه

وعليه قد رسموا وقد كتبوا

في الصحن فيه بعضُ ما أكلوا

في علبة الحلوى التي نهبوا

في الشطر من تفاحةٍ قضموا

في فضلةِ الماءِ التي سكبوا

إني أراهم حيثما اتجهتْ

عيني كأسرابِ القطا سرَبوا

دمعي الذي كتّمته جَلدا

لما تباكوا عندما ركبوا

حتى إذا ساروا وقد نزعوا

من أضلعي قلبا بهم يجبُ

ألفيتني كالطفل عاطفةً

فإذا به كالغيثِ ينسكبُ

قد يعجب العذّالُ من رَجلٍ

يبكي ولو لم أبكِ فالعجبُ

هيهات ما كل البكا خَوَرٌ

إني وبي عزمُ الرجالِ أبُ

———–

عمر بهاء الدين الأميري، (1916–1992م)،

شاعر ودبلوماسي سوري من مدينة حلب، ويعتبر من أعلام سوريا وعضو جماعة الإخوان المسلمين،

تناول في شعره العديد من الموضوعات: السياسية والعاطفية والدينية،

عمل سفيراً لسوريا في باكستان ثم المملكة العربية السعودية

نشأ في مدينة حلب، وفيها تلقى دروسهُ الأولى في المدرسة الفاروقية، وحفظ القرآن في صغرهِ، ومن مدارسها الأخرى تلقى علوم الأدب، والعلوم، والفلسفة، وعلم الاجتماع، والنفس، والأخلاق، والتاريخ، والحضارة وعلم الفلك، وأولع بالشعر العربي، وكانت لهُ هواية ـ بعد حفظهِ للقرآن ـ حفظ روائع الشعر العربي في مختلف عصوره.

في الجامعة السورية تلقى العلوم القانونية، وحمل (شهادة الحقوق) التي تخوله أن يكون محامياً، وفعلاً عمل عمر في مهنة المحاماة حيناً من الزمن، ثم سافر إلى باريس رغبة في استكمال تحصيله العلمي، فدرس الأدب العربي والعالمي، وفقه اللغة، وحمل الشهادة العليا من جامعة السوربون. ثم عاد إلى مدينتهِ، فدرّس في الكلية الشرعية، ثم انتقل إلى العاصمة وتولى إدارة المعهد العربي الإسلامي، وكان الشعر والترنم به هوايته الأولى.

عمل مدة طويلة في تدريس الأدب وفقه اللغة، والحقوق والحضارة الإسلامية في عدد من الجامعات العربية والأجنبية

يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى