في زوايا مدينة الفاشر، التي كانت يوما جنة خضراء تتدفق بالحياة، أصبح الموت الآن ضيفا ثقيلا لا يغادر بيوتا لم تعد تقوى على إيواء أحلام أطفالها، بينما تتهاوى الأجساد الهزيلة تحت وطأة جوع قاس لم ترحمه قذائف الحرب ولا صمت العالم في مخيمات النزوح.
اختلطت أنات المرضى بصرخات الأمهات الثكالى، وتحاول أيادي بائسة أن تمسك بأرواح تتبدد كالرمال بين الأصابع، هنا حيث تحولت الحياة إلى معادلة مستحيلة بين لقمة خبز ونبض حياة يتراجع ببطء الأمل فى الحياة.. هذه هي حكاية سودان ينزف في صمت.
حصار الفاشر جحيم يومي لا يطاق
تحولت شوارع الفاشر إلى ساحة صراع بين الحياة والموت، حيث يحاصر الجوع السكان منذ أشهر بينما تقف قوات الدعم السريع حاجزا منيعا أمام أي أمل في وصول الغذاء أو الدواء، تقارير الأمم المتحدة تكشف أن أسعار المواد الغذائية قفزت إلى 460 بالمئة من قيمتها الأصلية فيما أصبحت وجبة الطعام حلمًا بعيد المنال للكثيرين.
مقابر جماعية وصمت دولى
لم تعد مقابر الفاشر تتسع للضحايا الجدد الذين يسقطون يوميا ضحايا للقصف أو للمجاعة التي تلتهم الصغار قبل الكبار.، ومنظمة العفو الدولية توثق مشاهد مروعة لعائلات عاجزة عن دفن موتاها، فيما تتحول الجثث إلى أرقام في سجلات الموتى التي لا يتوقف عدد صفحاتها عن التزايد.
الكوليرا وحش جديد يفتك بالنازحين
في مخيمات دارفور حيث تتداخل مياه الصرف الصحي مع مياه الشرب، ينتشر وباء الكوليرا كالنار في الهشيم، وتقارير طبية تؤكد تسجيل عشرات الوفيات بين الأطفال، فيما تعجز المستشفيات المنهكة عن استيعاب الأعداد المتزايدة من المصابين، ولجان المقاومة المحلية تطلق صرخات استغاثة عاجلة للمنظمات الدولية، بينما تزداد الحالات ارتفاعا يوما بعد يوم.
خرطوم الأشباح.. أطفال بلا طفولة
رغم السيطرة النسبية للجيش على العاصمة إلا أن الأطفال هنا يدفعون الثمن الأقسى، وتقارير يونيسف تكشف أن 37 بالمئة من أطفال الخرطوم يعانون من سوء التغذية الحاد، حيث تحولت أجسادهم الصغيرة إلى هياكل عظمية تكاد لا تحتمل ثقل الأنفاس في أحياء المدينة، وتحاول بعض الأسر اليائسة العثور على ما يسد الرمق بين أكوام القمامة أو في طوابير الإغاثة التي لا تكفي.
حرب السلطة.. وجثث المدنيين
منذ أن اندلعت شرارة الحرب في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تحول السودان إلى ساحة مفتوحة للصراع الدموي، وتقارير الأمم المتحدة تتحدث عن نزوح أكثر من 13 مليون شخص، فيما أصبحت المجاعة تهدد ملايين آخرين بالهلاك، والدول الكبرى تفرض عقوبات على الطرفين بينما تظل الحلول السياسية حبرا على ورق.
مستقبل غامض في ظل انهيار شامل
في ظل استمرار تقسيم السودان إلى مناطق نفوذ بين المتحاربين، يبدو المستقبل قاتما أكثر من أي وقت مضى، والبنية التحتية المنهارة والخدمات الصحية المعدومة وانتشار الأوبئة جميعها تشكل سيناريو مرعبا لمأساة إنسانية تتفاقم يوميا دون أي بصيص أمل في الأفق بينما يستمر العالم في مشاهدة الكارثة من بعيد.