تقاريرسلايدر

العالم في قبضة من؟ كيف تدير أمريكا والصين وروسيا الدول سياسيًا واقتصاديًا

في كواليس السياسة العالمية، لا تُدار الحروب عبثًا، ولا تُشعل النزاعات صدفة، خلف كل لهبٍ يشتعل في الشرق الأوسط، وكل اضطرابٍ يهزّ إفريقيا، وكل صفقةٍ تُبرم في سوق النفط والغاز، تقف ثلاث قوى عظمى تمسك بخيوط اللعبة: الولايات المتحدة، الصين، وروسيا.

من بيع السلاح إلى إدارة الصراعات، ومن التحكم في موارد الطاقة إلى صناعة التبعية الاقتصادية، تتحرك هذه الدول كعرّابي نظام عالمي جديد، حيث لا مكان للأخلاق أمام مصالح الهيمنة، فدستورهم الخفى على البُله فقط: “أمريكا تشعل، الصين تستثمر، وروسيا تناور”، بينما تدفع الدول الضعيفة الثمن بالدماء والديون.

فى التقرير التالى، نغوص في دهاليز العلاقات الدولية، ونكشف كيف تحوّلت النزاعات إلى مشاريع ربحية، والسلاح إلى لغة تفاهم، والنفط والغاز إلى أدوات طيّعة في يد قوى كبرى لا تترك شيئًا للصدفة، ونتتبع، كيف تُدار الكرة الأرضية من خلف الستار، أو هكذا تبدو؟ وهل يمكن لدول العالم الثالث الخروج من هذا الفخ؟  بعدما أصبح العالم بين مطرقة القوة وسندان الاقتصاد.، التقرير التالى يجاوب عن التساؤل.

الإقتصاد أولا

تستخدم أمريكا أدوات المال، والتكنولوجيا، والعقوبات لفرض إرادتها، وتحتفظ بتفوق عسكري يتيح لها التدخل حيث تشاء، وتتمدد الصين عبر “مبادرة الحزام والطريق”، وتستثمر في البنية التحتية للدول الفقيرة مقابل نفوذ سياسي طويل الأمد، أما روسيا فتعتمدعلى تحريك النزاعات، ودعم المليشيات، والتدخل العسكري المباشر لترسيخ نفوذها وإضعاف خصومها.

تجارة السلاح كأداة للسيطرة

تتصدر أمريكا وروسيا صادرات السلاح عالميًا، وتستخدمانها لكسب الولاء السياسي وخلق تبعيات دائمة لدولهما.

النفط كسلاح جيوسياسي

تتحكم أمريكا فى الإقتصاد عبر الدولار النفطي، وتؤثر روسيا من خلال إمدادات الغاز، بينما تستثمر الصين في تأمين الطاقة بإفريقيا والشرق الأوسط.

إدارة الحروب بالوكالة

تُشعل القوى الكبرى الحروب في دول الجنوب عبر دعم أطراف متصارعة، لتبقى المنطقة رهينة الفوضى وتحت السيطرة.

صناعة الأزمات الاقتصادية

تستخدم أمريكا أدوات كصندوق النقد الدولي لتشكيل السياسات الاقتصادية للدول الفقيرة وربطها بشروط سياسية، بينما ترى الصين وروسيا النزاعات كمجالات لاختبار النفوذ، وتوسيع التواجد العسكري والسياسي بتكلفة منخفضة.

تحكم عبر التكنولوجيا والبيانات

الولايات المتحدة تقود العالم بسيطرة شركاتها على الإنترنت والبنية الرقمية، ما يمنحها قدرة على التلاعب بالمعلومات، فى الوقت الذى تمنح فيه الصين قروضًا ضخمة لدول فقيرة ثم تفرض شروطًا مرهقة، بينما تستخدم أمريكا أدوات المؤسسات الدولية لذات الغرض، وتتنافس الدول الكبرى على إعادة توزيع مناطق النفوذ، من إفريقيا إلى الشرق الأوسط، بأساليب بها مزيج بين الضغط والاحتواء والتوغل.

الإعلام كقوة ناعمة

تستخدم أمريكا إعلامها لتوجيه الرأي العام العالمي، بينما تطور الصين وروسيا أدوات دعائية مضادة لتعزيز روايات بديلة.

مستقبل العالم بين ثلاث قوى

العالم يعيش لحظة صراع جيوسياسي مستمر، تُرسم فيها السياسات الدولية على يد ثلاث قوى تتحكم بمصير الكوكب.

امريكا لاتزال الأقوى

يرى الدكتور ريتشارد هاس، الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أن الولايات المتحدة لا تزال تحكم العالم من خلال مزيج من تفوقها العسكري وشبكة تحالفاتها، إضافة إلى هيمنتها على المؤسسات المالية العالمية.

الصين طريق الحرير الجديد

تقول الخبيرة الاقتصادية الصينية ليو تشينغ إن مبادرة الحزام والطريق ليست مجرد مشروع تنموي، بل “أداة استراتيجية لإعادة تشكيل النظام العالمي”، عبر ربط الدول النامية اقتصاديًا بالصين وخلق تبعية مستدامة.

سياسة الفوضى المدروسة

يشير المحلل الاستراتيجي الروسي ألكسندر دوغين إلى أن موسكو ترى في كل نزاع فرصة للتوسع، وتعتمد سياسة “الهدم ثم التفاوض”، كما فعلت في أوكرانيا وسوريا.

تجارة السلاح.. النفوذ بالرصاص

تؤكد تقارير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI) أن أمريكا وروسيا تستحوذان على أكثر من 50% من صادرات الأسلحة عالميًا، وتستخدمان هذه التجارة لفرض الولاءات وخلق محاور تبعية عسكرية.

النفط ذهب كسلاح سياسي

يقول خبير الطاقة الامريكى دانيال يرجن،  إن الولايات المتحدة تتحكم في تسعير النفط عبر النفوذ على دول “أوبك”، بينما تستخدم روسيا الطاقة كسلاح سياسي ضد أوروبا، وتحاول الصين ضمان أمنها الطاقي عبر السيطرة على منافذ التوريد.

الحروب بالوكالة.. دول تُحرق لتُدار

يرى الباحث الأمريكى باتريك كوبرن، أن القوى الكبرى لا تخوض حروبًا مباشرة، بل توزع السلاح وتدعم ميليشيات لتحقيق أهدافها في مناطق كاليمن، ليبيا، وأوكرانيا، مع الحفاظ على بعد استراتيجي.

صناعة الديون: أدوات استعمار جديدة

تحذر المحللة الإفريقية نيامبي موكيبا من أن “القروض الصينية بفوائد مخفاة تضع الدول تحت رحمة بكين”، بينما يفرض البنك الدولي وصندوق النقد برامج تقشف تقود لاضطرابات اجتماعية بدعم أمريكي.

التحكم في النزاعات: الإدارة بدل الحل

يقول الدبلوماسي السابق جيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية الامريكى الأسبق للشرق الأوسط،  إن القوى الكبرى لا تسعى لحل النزاعات بقدر ما تسعى لإدارتها، والإبقاء عليها كمناطق نفوذ أو خطوط تماس قابلة للاشتعال عند الحاجة، وأن شركات التكنولوجيا الأمريكية مثل Google وMeta لا تعمل فقط كمؤسسات تجارية، بل كأذرع جيوسياسية توفر معلومات حساسة لصانعي القرار الأمريكيين،  بينما يؤكد  نعوم تشومسكي الفيلسوف والاقتصادى الأمريكى إن الإعلام الأمريكي “يصنع توافقًا جماهيريًا” مع السياسات الخارجية، بينما تطور الصين وروسيا منصات إعلامية موجهة مثل RT وCGTN لنشر سرديات مناهضة للغرب.

الخرائط تُرسم من جديد

 تشير تحليلات مؤسسة RAND الأمريكية إلى أن القوى الثلاث تُعيد ترسيم مناطق النفوذ من إفريقيا إلى القطب الشمالي، عبر الاستثمارات العسكرية وتغيير الأنظمة وإثارة الفوضى.

من يدفع الثمن؟ الشعوب الفقيرة

يرى الخبير الأممي أوليفييه دي شوتر أن الدول الفقيرة تُستخدم كبيادق في صراعات الكبار، تتلقى الأسلحة بدلا من الغذاء، والمساعدات المشروطة بدلا من التنمية المستقلة.

سيطر على الممرات تتحكم في الاقتصاد

مضيق ملقا، شريان الصين الحيوي، و 85% من نفط الصين يمر عبر هذا المضيق، مما يفسر تحالف بكين مع إيران وباكستان لضمان أمنها، والرئيس الأمريكي “جو بايدن” وصف المنطقة بأنها “نقطة الاختناق الاستراتيجية”.

قناة السويس.. الصراع الخفي

 بعد حادثة جنوح السفينة “إيفر غيفن”، كشف الخبير اللوجستي الأمريكى مارك زينيوأن “من يسيطر على القناة يتحكم في 12% من التجارة العالمية” والصين تستثمر بقوة في الموانئ الأفريقية كبديل.

الجنوبي الصيني ساحة مواجهة

الأسطول الأمريكي السابع يتحدى المطالب الصينية، بينما يقول الرئيس الفلبيني السابق “رودريجو دوتيرتي”: “الصين تمتلك القوة هنا، والولايات المتحدة لا تستطيع فعل شيء”.

الفوضى بأوكرانيا.. حرب بالوكالة

الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” اعترف بأن بلاده أصبحت “ساحة اختبار للأسلحة الغربية”، والخبير العسكري \إدوارد لوتواك” يقول: “أمريكا تريد إضعاف روسيا دون تدخل مباشر”.

الشرق الأوسط.. لعبة الدم والنفط

في كتابه “فخ الشرق الأوسط”، يشرح هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكى الأسبق، كيف استخدمت واشنطن الصراع العربي-الإسرائيلي لضمان ولاء الحلفاء، الآن، الصين تدخل اللعبة عبر صفقات الطاقة مع إيران.

كيف تُستنزف الدول الفقيرة؟

ديون الصين، الفخ المالي لأفريقيا، وفي زامبيا وسريلانكا، صادرت بكين موانئ بعد تعثر السداد، والرئيس السنغالي ماكي سال حذر: “نحن نبيع سيادتنا مقابل القروض الصينية”

من سيفوز في النهاية؟

الخبير الجيوسياسي جون ميرشايمر استاذ العلوم السياسية الامريكى، يتوقع في كتابه “مأساة سياسة القوى العظمى” أن الصراع بين أمريكا والصين حتمي، وسيحدد من يحكم القرن الحادي والعشرين، فيما يحذر الجنرال الأمريكي السابق ديفيد بتريوس في مذكراته: “بعض الحروب تصمم لاختبار أسلحة جديدة وفتح أسواق”، بينما يقول فلاديمير بوتين في إحدى خطاباته: “الصناعة العسكرية الروسية هي ضمانة أمننا القومي ووسيلة نفوذنا”.

النفط.. دم يحرك الاقتصاد

 أمريكا تتحكم فى السوق عبر البترودولار وشركات مثل إكسون موبيل، وروسيا تستخدم غازبروم كسلاح جيوسياسي ضد أوروبا، والصين تبني “طريق الحرير،  للسيطرة على إمدادات الشرق الأوسط.

الغاز: الحرب الخفية على أوروبا

خطوط الأنابيب الروسية (نورد ستريم 2) أصبحت أداة ضغط، فأمريكا  تبذل جهدا لتوفير الغاز المسال لتحل وفرته محل الإمدادات الروسية، والصين تستثمر مليارات الدولارات في الغاز الطبيعي المسال لتأمين حاجاتها .

الإلكترونيات معركة تحدد المستقبل

أمريكا تسود العالم بامتلاكها الشرائح والبرمجيات “إنتل، آبل، جوجل، مايكروسوفت” تتحكم في 90% من أنظمة التشغيل العالمية، وقوانين منع تصدير الرقائق إلى الصين تظهر حرب التقنيات، أما الصين فتملك “هواوي، شاومي، وتينسنت” وتغزو الأسواق الناشئة

بمبادرة “صنع في الصين 2025” والتى تهدف للسيطرة على 70% من الإلكترونيات العالمية بحلول 2030

روسيا.. الحرب السيبرانية

تملك موسكو مجموعات القرصنة الروسية (Fancy Bear) التى تستهدف البنى التحتية الحيوية، وبرامج التجسس مثل “SORM” تتيح لروسيا مراقبة اتصالات المواطنين، وقال إدوارد سنودن التقنى الأمريكى  أن “الحروب المستقبلية ستخاض في الفضاء الإلكتروني”.

السيطرة على الموانئ والطرق البحرية

الأسطول السابع الأمريكى  يسيطر على المحيط الهادئ، وتمتلك أمريكا قواعد عسكرية في اليابان، وكوريا الجنوبية، والخليج

 الصين: إستراتيجية اللؤلؤة السلسة

أما الصين فتمتلك قواعد بحرية في جيبوتي، باكستان، سريلانكا، واستثمارات بمليارات الدولارات في موانئ أوروبية وأفريقيا، يأتى ذلك فى الوقت الذى تبحث  فيه روسيا عن منافذ دافئة مثل”القاعدة البحرية في طرطوس (سوريا) هي الوحيدة في المتوسط ، ومشروعات توسعية في ليبيا والسودان.

نظام جديد!!

يبدو أنه يلوح فى الأفق غير البعيد، نظام عالمي جديد يتشكل، فأمريكا تحاول الحفاظ على هيمنتها عبرالقوة العسكرية والسيطرة التكنولوجية، والصين تبني إمبراطورية عبرالاقتصاد والبنية التحتية الرقمية، وروسيا تعتمد على الموارد الطبيعية والحروب الهجينة.

والسؤال الذى يطرح نفسه: هل ستنجح دول العالم في الخروج من هذا الصراع، أم ستبقى رهائن للقوى عظمى؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى