انتقد رئيس بنك الرافدين العراقي بشدة ما وصفه بـ”الاستهداف الممنهج” للقطاع المصرفي في البلاد، مدعيا أنه مدفوع بأجندات سياسية ومعلومات مضللة.
جاءت تصريحاته في أعقاب تقارير عن اتهامات من مسؤولين أمريكيين لفرع البنك في العاصمة اليمنية صنعاء بتسهيل معاملات لحركة أنصار الله المتحالفة مع إيران – والمعروفة أيضًا باسم الحوثيين – والتي صنفتها واشنطن كمنظمة إرهابية.
وفي بيان صدر في وقت متأخر من يوم الاثنين، صرح المدير العام لمصرف الرافدين علي كريم الفتلاوي، “من الواضح أن هناك استهدافًا ممنهجًا للنظام المصرفي العراقي من قبل جهات ذات أجندات سياسية أو مصالح شخصية انتهازية. تسعى هذه الجماعات إلى تشويه صورة مؤسساتنا الوطنية من خلال نشر الشائعات وتقديم معلومات كاذبة ومضللة للجهات الفاعلة الدولية”.
قبل يومين فقط، أعلن الفتلاوي عن شراكة كبيرة بين مصرف الرافدين وشركة المخاطر والامتثال العالمية K2 Integrity. ووصف الاتفاقية لوكالة الأنباء العراقية الحكومية (INA) بأنها “خطوة استراتيجية” نحو تحويل الرافدين إلى “منصة مصرفية متكاملة تتماشى مع المعايير الدولية”.
وقال إن الشراكة تدعم أجندة الإصلاح الأوسع للحكومة العراقية، والتي تسعى إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتعزيز السيادة المالية والاقتصادية للعراق، واستعادة مكانة البلاد في النظام المالي العالمي “بثقة وشفافية”.
وأكد الفتلاوي يوم الاثنين أن الاتفاقية مع شركة K2 Integrity ستضع “قواعد واضحة وشفافة للامتثال والحوكمة”، مما يضمن “وصول صوت الإصلاح – وليس أصوات التضليل أو التسييس – إلى العالم”.
وقال: “إننا نتخذ خطوات واثقة لبناء نظام مصرفي عراقي حديث متجذر في الشفافية والمصداقية”، مضيفًا: “لن نسمح للأجندات الخارجية أو المصالح الضيقة بعرقلة مسار الإصلاح. إن هذه الشراكة الدولية شهادة على النزاهة والثقة، ورسالة واضحة بأن مصرف الرافدين يرسم مسارًا جديدًا لاستعادة مكانة العراق الصحيحة في المجتمع المصرفي العالمي”.
تأسس مصرف الرافدين عام ١٩٤١، وهو ركيزة أساسية للبنية التحتية المالية للعراق، ويقدم مجموعة واسعة من الخدمات. سبق أن خضع البنك لعقوبات دولية، بما في ذلك إدراجه على القائمة السوداء الأمريكية في عهد صدام حسين، وعقوبات الأمم المتحدة عقب حرب الخليج عام ١٩٩١، وقد رُفعت كلتاهما منذ ذلك الحين.
اتهامات أمريكية ورد دبلوماسي.
تأتي تصريحات الفتلاوي في أعقاب تقارير إعلامية وتصريحات لمسؤولين أمريكيين زعمت أن البنك كان يُجري مدفوعات لصالح الحوثيين في اليمن، المتهمين بتعطيل الشحن العالمي في البحر الأحمر. ووفقًا لفوكس بيزنس، طُرحت هذه الاتهامات خلال اجتماع رفيع المستوى عُقد في ٢٩ أبريل/نيسان بين مسؤولي وزارة الخزانة الأمريكية، برئاسة نائب الوزير مايكل فولكندر، ووزير الخارجية العراقي ونائب رئيس الوزراء فؤاد حسين.
خلال الاجتماع، حذّر مسؤولون أمريكيون، بحسب ما ورد، من ضرورة توقف بنك الرافدين عن التعامل مع منظمة الحوثيين المدعومة من النظام الإيراني. كما حثّوا على نقل فرع البنك في اليمن من صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون إلى مدينة عدن الجنوبية، حيث تتمركز الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.
ردًا على ذلك، أكد وزير الخارجية حسين أن العراق لا يعترف إلا بالحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا و”يتعامل معها”، والتي لديها سفارة في بغداد. نفى بشدة وجود أي معاملات من هذا القبيل، مؤكدًا أنه “لا توجد إمكانية لوصول الحوثيين إلى النظام المالي العراقي”، وتعهد “بالتحقق شخصيًا من هذا الأمر”.
وفي تأكيد على هذا النفي، صرّح المتحدث باسم السفارة العراقية في واشنطن، صادق علي حسن، لقناة فوكس بيزنس بأن هذه المزاعم “باطلة تمامًا”. وأكد أن فرع بنك الرافدين في صنعاء “متوقف تمامًا عن العمل منذ عام 2017” ويفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لمعالجة أي معاملات مالية.
كما تناولت السفارة ادعاءات منفصلة تربط بنك الرافدين بقوات الحشد الشعبي المتحالفة مع إيران، قائلة: “نؤكد أن بنك الرافدين لم يعد يحتفظ بأي حسابات متعلقة بقوات الحشد الشعبي”.
الضغط الأمريكي على البنوك العراقية
يتعرض النظام المصرفي العراقي لضغوط متزايدة، محاصرًا بين الفساد المحلي والضغط المالي الأمريكي المتزايد. منذ عام 2003، شهد القطاع انتشارًا للبنوك الخاصة، والتي يُنظر إلى الكثير منها على نطاق واسع على أنها تخدم النخب السياسية بدلاً من الاقتصاد الوطني.
كما اشتدت الرقابة الأمريكية، حيث فرضت وزارة الخزانة عقوبات على العديد من البنوك العراقية بسبب مزاعم غسل الأموال وتمويل الجماعات المسلحة. كما تعرض البنك المركزي العراقي لضغوط، مما دفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى فرض ضوابط أكثر صرامة، بما في ذلك مطالبة البنوك العراقية بالإبلاغ عن جميع المعاملات بالدولار عبر منصة إلكترونية.
من أبرز المؤسسات المستهدفة بنك الهدى، الذي اعتبرته وزارة الخزانة الأمريكية مصدر قلق رئيسي في مجال غسيل الأموال، وذلك لتحويله أموالًا إلى الحرس الثوري الإيراني، بالإضافة إلى بنك البلاد الإسلامي وشركة الخالدي للصرافة، وكلاهما متهمان بأنشطة مالية غير مشروعة مماثلة.
في يوليو/تموز 2023، حظرت وزارة الخزانة الأمريكية 14 بنكًا عراقيًا إضافيًا من تداول العملات الأجنبية. وأعقب ذلك حظر البنك المركزي العراقي ثمانية بنوك أخرى في أوائل عام 2024، بهدف تقييد تدفقات الدولار إلى الكيانات الخاضعة للعقوبات والحد من الممارسات المالية غير القانونية.
اعتبارًا من أغسطس/آب 2025، خضع أكثر من 35 بنكًا من أصل 72 بنكًا عراقيًا لعقوبات أمريكية أو قيود على معاملات الدولار. ومع تسليط الضوء على مصرف الرافدين الآن بسبب ما يُنظر إليه على أنه غموض، فقد يكون هو المحور التالي للتدقيق المالي من قِبل واشنطن.