العلاقات الأمريكية العربية: نهاية النفوذ الأمريكي وصعود حلف عربي إسلامي؟!

أحمد هلال.. كاتب مصري وناشط حقوقي
أحمد هلال.. كاتب مصري وناشط حقوقي

أحمد هلال

الصراحة والوقاحة التي يتبعها دونالد ترامب مع العرب ربما تكون بداية انكسار وانحسار للهيمنة الأمريكية تجاه المنطقة العربية،

حيث أنها تسببت في جدل على الساحة السياسية الدولية ولم يتكهن أحد الغرض من تلك التصريحات وأهدافها.

شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم العربي تحولات كبيرة على مدار العقود الماضية، متأثرة بعوامل جيوسياسية، اقتصادية، وعسكرية.

ورغم وجود تفاوت في طبيعة العلاقات عبر المراحل المختلفة، فإن السياسة الأمريكية تجاه المنطقة ارتكزت على محددات واضحة،

منها أمن إسرائيل، ضمان تدفق النفط، بيع الأسلحة، ودعم أنظمة حكم موالية. في هذا المقال،

نناقش تطور هذه العلاقة، الأبعاد الحاكمة لها، والمتغيرات المستقبلية التي قد تعيد تشكيلها.

أولًا: التطور التاريخي للعلاقات الأمريكية العربية

يمكن تقسيم العلاقة الأمريكية العربية إلى ثمانية مراحل رئيسية، بدأت منذ الحرب العالمية الثانية، عندما أدركت الولايات المتحدة أهمية الشرق الأوسط كمصدر رئيسي للطاقة.

ومع مرور الزمن، اتخذت العلاقة طابعًا استراتيجيًا، خاصة مع صعود الصراع العربي الإسرائيلي، وانخراط واشنطن في سياسات الهيمنة من خلال القواعد العسكرية والاتفاقيات الاقتصادية.

منذ السبعينيات، لعب النفط دورًا محوريًا في رسم السياسة الأمريكية، خاصة بعد أزمة 1973 التي دفعت واشنطن لتوطيد علاقاتها مع الدول الخليجية الغنية بالنفط.

ثم جاءت حقبة التسعينيات حيث قادت أمريكا تحالفًا عسكريًا ضد العراق، وهو ما أكد الدور الأمريكي كضامن رئيسي لأمن المنطقة وفقًا لرؤيتها الخاصة.

أما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، فقد تغيرت الأولويات الأمريكية، لتتجه نحو “الحرب على الإرهاب”،

وهو ما أسفر عن تدخل عسكري مباشر في العراق وأفغانستان، وتأجيج حالة عدم الاستقرار في العالم العربي.

ثم جاءت الثورات العربية، التي مثلت اختبارًا حقيقيًا لواشنطن، حيث تراوحت سياساتها بين دعم بعض التغييرات ومحاولة احتواء التحولات السياسية لصالح أنظمة موالية لها.

ثانيًا: الأبعاد والسياسات الحاكمة للعلاقة

هناك عدد من المحددات الرئيسية التي شكلت السياسة الأمريكية تجاه العالم العربي، أبرزها:

1- أمن إسرائيل:

يمثل هذا المحور حجر الزاوية في الاستراتيجية الأمريكية، حيث تحرص واشنطن على ضمان تفوق إسرائيل عسكريًا وسياسيًا، وهو ما انعكس في الدعم المالي والتسليحي غير المحدود.

2- النفط والطاقة:

يمثل الشرق الأوسط أحد أهم مصادر الطاقة، لذلك فإن ضمان استقرار أسواق النفط يعد من الأولويات الأمريكية، وهو ما انعكس في التدخلات العسكرية والسياسات الاقتصادية.

3- الوجود العسكري والقواعد الأمريكية:

تمتلك الولايات المتحدة عددًا كبيرًا من القواعد العسكرية في الخليج، ما يعزز من سيطرتها الجيوسياسية، ويتيح لها التدخل عند الحاجة.

4- مواجهة النفوذ الإيراني:

تعمل واشنطن على احتواء إيران عبر تحالفات إقليمية مع دول الخليج، والعقوبات الاقتصادية، إضافة إلى دعم إسرائيل في مواجهتها مع طهران.

5- الاقتصاد وصفقات السلاح:

تعد الدول العربية من أكبر المشترين للأسلحة الأمريكية، وهو ما يعزز النفوذ الأمريكي، ويضمن استمرار العلاقات التجارية والاستراتيجية.

6- السيطرة على الحركات السياسية الإسلامية:

بعد صعود الإسلاميين في بعض الدول العربية، خاصة عقب ثورات الربيع العربي، تبنت أمريكا سياسة الاحتواء والمواجهة، وفقًا لمصالحها في كل دولة.

ثالثًا: تأثير سياسة ترامب على العلاقة الأمريكية العربية

تميزت سياسات الرئيس دونالد ترامب تجاه العالم العربي بأنها قائمة على الابتزاز المالي، حيث تعامل مع دول الخليج بمنطق “الحماية مقابل المال”،

وهدد بوقف المعونات عن الدول التي لا تتماشى مع مصالحه. كما ركز على تعزيز نفوذ إسرائيل،

ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية عبر “صفقة القرن”، متجاهلًا الإرادة الشعبية في المنطقة.

لكن هذه السياسات ألحقت ضررًا بالمصالح الأمريكية نفسها، إذ دفعت بعض الدول العربية إلى البحث عن بدائل استراتيجية مثل التعاون مع الصين وروسيا،

كما عمقت حالة العداء الشعبي تجاه واشنطن، وهو ما قد يؤثر على المدى البعيد في قدرة أمريكا على التأثير في المنطقة.

رابعًا: المتغيرات المستقبلية في السياسة الأمريكية تجاه العالم العربي

هناك عدة عوامل قد تؤثر في مستقبل العلاقة الأمريكية العربية، منها:

1- الصعود الصيني والروسي: يشكل تزايد النفوذ الصيني والروسي في المنطقة تحديًا كبيرًا للولايات المتحدة،

خاصة مع توقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية بين بعض الدول العربية وهذه القوى.

رغم التزام روسيا والصين الصمت غالبا تجاه الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط.

2- تراجع الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط: مع تحول الأولويات الأمريكية نحو آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة الصين،

قد نشهد تراجعًا في الانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط، ما قد يفتح المجال أمام قوى أخرى لملء الفراغ.

3- التطورات الداخلية في الدول العربية: يمكن أن تؤثر الإصلاحات السياسية، أو استمرار القمع السياسي، أو حتى حدوث اضطرابات داخلية، في شكل العلاقة مع واشنطن.

4- ملف إيران: في حال حدوث اتفاق جديد بين واشنطن وطهران، فقد يؤدي ذلك إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية، خاصة مع دول الخليج.

5- مستقبل القضية الفلسطينية: رغم أن أمريكا تحاول فرض رؤية إسرائيلية على الملف الفلسطيني، إلا أن تطورات الأحداث قد تفرض على واشنطن مراجعة موقفها.

مؤشرات قوية على تراجع الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط،

إن لم يكن هذا التراجع حاسمًا أو فوريًا، لكنه يسير بوتيرة متسارعة بسبب عدة عوامل، أبرزها:

1- طوفان الأقصى وتداعياته:

الهجوم الذي شنته المقاومة الفلسطينية في أكتوبر 2023 كشف عن هشاشة الردع الإسرائيلي،

وأحرج الولايات المتحدة التي وجدت نفسها في مواجهة غضب شعبي عربي متزايد،

خاصة مع دعمها المطلق لإسرائيل. هذا الحدث أعاد القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام الدولي،

وفضح ازدواجية المعايير الغربية، مما زاد من رفض الهيمنة الأمريكية في العالم العربي والإسلامي.

2- تصاعد الرفض الشعبي للنفوذ الأمريكي:

هناك موجة غضب عربية متزايدة تجاه واشنطن، خاصة مع استمرار دعمها غير المشروط لإسرائيل،

وانحيازها ضد الإرادة الشعبية في الدول العربية. وقد أدى هذا الرفض إلى زيادة الضغوط على الحكومات الحليفة للولايات المتحدة،

مما يضعف النفوذ الأمريكي تدريجيًا.

3- تراجع الأولوية الأمريكية للشرق الأوسط:

مع تركيز أمريكا على مواجهة الصين وروسيا، أصبح الشرق الأوسط أقل أهمية استراتيجيًا، مما يفتح المجال أمام قوى أخرى لملء الفراغ،

مثل الصين التي تعزز نفوذها عبر الاتفاقيات الاقتصادية، وروسيا التي أثبتت قدرتها على التدخل العسكري والسياسي كما في سوريا، رغم الانسحاب التكتيكي من سوريا مؤقتا.

4- الصعود الصيني والروسي:

الصين لم تعد مجرد قوة اقتصادية، بل أصبحت فاعلًا سياسيًا مهمًا، حيث توسطت في المصالحة بين السعودية وإيران، مما يعكس تحولًا جيوسياسيًا يقلل من الاعتماد على أمريكا.

كذلك، فإن النفوذ الروسي في سوريا وليبيا وأفريقيا يشير إلى أن موسكو أصبحت شريكًا مهمًا لبعض الدول العربية في مواجهة الضغوط الغربية.

5- إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية:

هناك تحركات عربية نحو تنويع الشراكات الاستراتيجية، مثل زيادة التعاون مع الصين وروسيا وإيران، والحديث عن إنشاء تحالفات أمنية واقتصادية بعيدًا عن الوصاية الأمريكية.

هل نشهد نهاية القطب الأوحد؟

بينما لا يزال النفوذ الأمريكي قويًا، إلا أن ما نشهده هو بداية تحول نحو عالم متعدد الأقطاب، حيث لم تعد أمريكا المتحكم الوحيد في النظام الدولي.

هذا لا يعني انهيار الهيمنة الأمريكية فورًا، لكنها أصبحت أكثر هشاشة، وأصبح من الصعب عليها فرض إرادتها كما في السابق.

في ظل هذه التطورات، قد يكون الشرق الأوسط في طريقه لاستعادة جزء من استقلاليته،

لكن الأمر يعتمد على مدى قدرة الدول العربية على استثمار هذه اللحظة لصالح مصالحها،

بدلًا من الدخول في صراعات جديدة تعيد واشنطن إلى موقع الهيمنة.

العلاقة الأمريكية العربية معقدة، محكومة بعوامل سياسية واقتصادية وعسكرية متشابكة.

وعلى الرغم من أن واشنطن لا تزال القوة الأكثر تأثيرًا في المنطقة، إلا أن المتغيرات الدولية، والتوجهات الداخلية في العالم العربي،

قد تعيد رسم هذه العلاقة خلال السنوات المقبلة. ستظل المصالح الاستراتيجية تحكم هذه العلاقة،

لكن قدرتها على الاستمرار بنفس الشكل التقليدي تتراجع مع بروز قوى جديدة، وتغير أولويات السياسة الأمريكية.

هل يمكن لتركيا أن تحل محل أمريكا في المنطقة؟

  • ليس بالمعنى التقليدي، لأن تركيا ليست قوة عظمى تمتلك الإمكانيات العسكرية والاقتصادية التي تتمتع بها أمريكا.
  • لكنها قد تقود تحالفًا إسلاميًا-إقليميًا يحقق قدرًا من الاستقلال السياسي والاقتصادي عن الغرب، خاصة إذا وجدت دعمًا من قطر، ماليزيا، باكستان، وإندونيسيا، مع تحسن علاقتها بالدول العربية الكبرى.

السيناريو الواقعي

  • تركيا لن تكون بديلًا مباشرًا لأمريكا، لكنها قد تصبح “قطبًا مستقلًا” يقود محورًا إسلاميًا-إقليميًا، يكون له تأثير متزايد في المنطقة، خاصة مع تراجع النفوذ الأمريكي.
  • مستقبل هذا المشروع يعتمد على مدى قدرة تركيا على بناء تحالفات اقتصادية وسياسية قوية، ومدى استعداد الدول العربية للتخلي عن ارتباطاتها الغربية مقابل تحالف جديد.

نجاح تركيا في قيادة تحالف عربي-إسلامي يحتاج إلى مشروع اقتصادي متكامل ينافس الهيمنة الأمريكية والغربية،

وهذا يتطلب تعاونًا عربيًا أوسع

  • العلاقات المعقدة مع الدول العربية الكبرى
  • رغم تحسن علاقات تركيا مع بعض الدول العربية (مثل السعودية ومصر)، إلا أن الشكوك السياسية والتنافس الإقليمي لا تزال قائمة.
  • هناك خلافات أيديولوجية بين بعض الأنظمة العربية وتركيا، خاصة فيما يتعلق بالديمقراطية ودور الإسلام السياسي.

هناك فرصة تاريخية أمام الحكام العرب لاستعادة هيمنتهم وفرض شرعية أخلاقية على النظام العالمي البئيس

وذلك بالتقارب مع الشعوب العربية والتحالف مع دول إسلامية لتشكيل حلف عربي إسلامي يكسر التواجد الأمريكي الاستعماري،

وينهي حالة الاحتلال الصهيو-أمريكي في المنطقة.

وللقصة بقية.

أحمد هلال

حقوقي وكاتب مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights