تُعد علاقة روسيا بإيران من العلاقات ذات الأهمية الاستراتيجية في الساحة الدولية، حيث جمعت بين المصالح الاقتصادية والجيوسياسية، خاصة في ظل تباين مصالح الولايات المتحدة والغرب في المنطقة.، بدأ التعاون بين موسكو وطهران يتنامى منذ سنوات ما بعد الحرب الباردة، خاصة مع تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط وازدياد الإحساس المشترك بمواجهة النفوذ الغربي والتحديات الأمنية.
تاريخيًا، حافظت روسيا على علاقات طويلة الأمد مع إيران، مع تصدير الأسلحة، والتعاون في المجالات العسكرية والصناعية، بالإضافة إلى دعم مصالح طهران في المنطقة، خصوصًا في سوريا، حيث كانت روسيا أحد أهم الحلفاء لنظام بشار الأسد الديكتاتورى والقمعى، وهو ما عزز من علاقاتها الاستراتيجية مع إيران.
تطورات العلاقة في السنوات الأخيرة
شهدت العلاقة بين موسكو وطهران تطورات ملحوظة بعد الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، حيث سعت روسيا إلى استثمار ذلك التفاهم لتعزيز علاقاتها مع إيران في مختلف المجالات، رغم العقوبات المفروضة على الأخيرة. ومع تصاعد التوترات بين إيران والولايات المتحدة خاصة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في 2018، رأت كل من موسكو وطهران في بعضهما حليفا ضد الضغوط الغربية.
وفي سياق التداخل الإقليمي، لعبت روسيا دورًا غير مباشر في تهيئة الظروف لتهدئة التوترات الإقليمية عبر دعم مصالح إيران في بعض القضايا، خاصة في سوريا، بينما حافظت على خطوط اتصال مفتوحة مع خصوم إيران في المنطقة، كالسعودية وتركيا. هذا التوازن دُمر مؤقتًا بفعل العقوبات الأمريكية الجديدة على طهران، ولكن موسكو حاولت ضمان استمرار التعاون مع إيران في المجالات الاستراتيجية.
تأثير العقوبات وتحول الحسابات الاستراتيجية
العقوبات التي فرضتها واشنطن على إيران أدت إلى زيادة الاعتماد الإيراني على الحلفاء التقليديين مثل روسيا والصين. روسيا، من جانبها، استغلت العقوبات لتوسيع توريد الأسلحة والتكنولوجيا إلى إيران، وتكثيف التعاون في مجال الصناعات العسكرية، وخصوصًا في تطوير القدرات الصاروخية والطائرات بدون طيار.
كما أن موسكو لم تتوانَ عن تقديم دعم سياسي ودبلوماسي لإيران على الساحة الدولية، مما عزز من موقع طهران في مواجهة الضغوط الغربية، وأحد أهداف روسيا هو الحفاظ على توازن القوى في المنطقة، والحيلولة دون أن تقود العقوبات إلى عزلة عميقة لإيران تعيق مصالحها الجيوسياسية.
هل زاد ارتباط روسيا وإيران أم تراجع؟
بالنظر إلى التطورات الأخيرة، يمكن القول إن العلاقة بين روسيا وإيران لم تضعف، بل ربما ازدادت عمقًا من حيث التفاهم والتنسيق، خاصة في ظل التحولات الدولية والتحديات الراهنة. البيانات الرسمية والتصريحات السياسية تؤكد استمرار التعاون العسكري والاقتصادي، وأصبحت روسيا الطرف الأبرز الذي يمكن لإيران الاعتماد عليه في مواجهة الضغط الأمريكي.
على صعيد آخر، هناك بعض المؤشرات التي تظهر أن موسكو تسعى للاستفادة من علاقاتها مع طهران لتحقيق مصالحها الجيوسياسية، دون أن يكون هناك عمق استراتيجي يُهدد علاقة موسكو بطهران بشكل كامل، خاصة أن الأخيرة تظل لاعبًا إقليميًا رئيسيًا.
الدور الروسي في حل سلمي للأزمة الإيرانية-الأمريكية
روسيا، التي تتقاطع مصالحها مع إيران بشكل كبير، بدأت تظهر بعض النوايا الدبلوماسية الهادئة نحو التخفيف من حدة التصعيد، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه طهران، فضلاً عن رغبتها في الحفاظ على استقرار المنطقة.
سعى موسكو لاتفاق سلمى
من المتوقع أن تسعى موسكو إلى لعب دور الوسيط، مستفيدة من علاقاتها مع الطرفين، بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن حقوق إيران النووية مع تلبية مصالح الولايات المتحدة، عبر قنوات خلفية ووساطات دبلوماسية غير رسمية. ويُعول على النفوذ الروسي في مجلس الأمن والمنظمات الدولية، لخلق بيئة ملائمة لمفاوضات جديدة، وظهر ذلك فى لقاء وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مع نظيره الإيراني عباس عراقجي الثلاثاء وناقشا سبل التوصل إلى حل سلمي للأزمة الإيرانية، وكان اللقاء على هامش الاجتماع الخامس والعشرين لوزراء خارجية منظمة شنغهاي للتعاون في مدينة تيانجين بشمال الصين.
مستقبل العلاقة وتوقعات السيناريوهات المحتملة
- استمرار التعاون والتنسيق: في ظل استمرار التحديات الدولية، قد يستمر التعاون بين موسكو وطهران، خاصة في المجالات العسكرية والاقتصادية، مع ترجمة ذلك إلى مواقف سياسية مشتركة في المحافل الدولية.
- مبادرات سلام روسية: قد تعمل موسكو على مبادرات للوساطة، لكنها ستظل حذرة من الانخراط بشكل رسمي أكثر، للحفاظ على مصالحها وعدم التورط المباشر في نزاعات قد تؤثر على استقرار مناطق نفوذها.
- تصاعد التوترات: في حال تصاعد العقوبات أو تدهور الأوضاع بشكل كبير، قد تتجه العلاقات نحو مزيد من التشدد، مع محاولة روسية للحفاظ على توازن مصالحها.
- تغيرات داخلية في إيران: مع احتمالية تغير مواقف إيران الداخلية (كما حدث سابقًا)، يمكن أن تتغير مواقف موسكو وفقًا لذلك، مع محاولة استباقية للحفاظ على علاقة قوية.
إن علاقة روسيا بإيران تُعد من العلاقات الاستراتيجية التي تتفاعل بمرونة مع الظروف الدولية، وتتمحور حول مصالح جيوسياسية واقتصادية مشتركة، رغم بعض التحديات والمصالح المتباينة. من المتوقع أن تلعب موسكو دورًا رئيسيًا في محاولة التفاوض على حل سلمي للأزمة الإيرانية الأمريكية، رغم أن ذلك يتطلب وقتًا وتوازنًا دقيقًا بين المصالح، مع مراعاة التوازنات الإقليمية والدولية.
