
محمد نعمان الدين الندوي
رغم أنني لست حديث العهد بالكتابة عن العباقرة والنوابغ، فقد سبق أن كتبت عن عدد غير قليل منهم، ولكن قلمي لم يشعر من الحرج والقصور، ولون من ألوان التهيب، ما يشعر به لدى الكتابة عن هذا «العالم الندوي العملاق» الذي كان مفخرة العصر، وأعظم مَن خرجتهم الندوة من الأعلام من أهل العلم والفضل، ورجال الفكر والدعوة، والبحث والتحقيق، الذين شهد بفضلهم ونبوغهم العالمُ كله.
وهذا الذي قلت عن صاحبنا «السيد الندوي»، لم أقله عن نفسي، بل استوحيته مما سجله الإمام الندوي رحمه الله عنه، يقول:
” لو لم تنجب الندوة شخصيةً غيرَ العلامة السيد سليمان الندوي، لكفاها فخرًا وشرفًا “.
وكفى به اعترافًا بعظمة شخصية العلامة «السيد الندوي» وتقديرًا لمكانته العلمية الجليلة، وشهادة بفضله ونبوغه.
فلا أعظم من هذا الاعتراف، ولا أجل من هذا التقدير، ولا أوثق من هذه الشهادة الحسنية العلوية..
ومعلوم أن الإمام الندوي رحمه الله لا يقول ما يقول إلا صادرًا عن قناعته الكاملة، ومعتقدًا بصحة ما يقول، وأداء للأمانة وقيامًا بالشهادة، وشعورًا بالمسؤولية..
على أن – هناك – شهادات واعترافات أخرى كثيرة – لا يأتي عليها الحصر – من أعلام المعاصرين واللاحقين الذين شهدوا لـ: «السيد الندوي» بفضله، وأقروا له بنبوغه، وقدروا له إسهاماته المتميزة في مختلف مجالات العلم والأدب، وسنذكر بعضها في آخر المقال إن شاء الله!
النبوغ المبكر:
كان السيد الندوي رحمه الله ذكيًّا جدًّا، حتى اعتبره البعض شبيهًا بمولانا آزاد والعلامة أنور شاه الكشميري في الذكاء وقوة الحافظة.
وعلامات النبوغ المبكر كانت ظهرت من صباه، فقد كان عُرف – منذ بداية دراسته – طالبًا مجدًّا متميزًا، مقبلًا على القراءة والكتابة أتم ما يكون الإقبال، كما ظل معروفًا – في جميع مراحل حياته – بالجد والرزانة والتزمت والوقار والنزاهة، فلم يؤخذ عليه قط – حتى في أيام الطفولة – ما يعد من السلوك المشين أو اللعب المبتذَل الذي لا يليق بأبناء النبلاء الشرفاء..
ولما أُرسِل إلى ندوة العلماء بلكناؤ، سعد بعناية أساتذته وحظي بحبهم، واستحق ثناءهم على جده ومثابرته على تحصيل العلم، وفاق طلاب الندوة باجتهاده وبذكائه.
ولم يكن تميز «السيد الندوي» وتفوقه مقتصرًا على الدراسة فقط، بل نبغ في الكتابة والخطابة أيضًا، فنشر له مقال في جريدة: «الندوة» حول علم الحديث سنة ١٩٠٥م، وكان -آنذاك- طالبًا في الندوة.
كما عرف خطيبًا مفوهّا مرتجلًا، قادرًا على الخطابة العربية والأردية بدون سابق استعداد، وقصة خطبته المرتجلة معروفة مستفيضة، وصلت إلى حد التواتر، فقد قرأنا في عدة كتب، وسمعنا -مرارًا- من أساتذتنا أن كان -هناك- حفل سنوي كبير في الندوة ( ١٩٠٧م ) لتوزيع الشهادات، ألقى فيه السيد الندوي كلمة مرتجلة -بالعربية- على الموضوع: «كيف انتشر الإسلام في الهند»، حصدت إعجاب الحضور بامتلاكه لناصية اللغة العربية، وقدرته على إلقاء الكلمة فيها ارتجالًا،، أما أستاذه العلامة شبلي النعماني فلا تسألوا عن فرحه واعتزازه بصنيع تلميذه النابغ المتميز المفخرة، فلم يملك بعد أن رأى ما رأى إلا أن خلع عمامته من رأسه، ووضعها على رأس تلميذه النابغة السيد الندوي، وقد ظلت هذه العمامة مفخرة للسيد الندوي طوال حياته، وكان يلبسها في المناسبات الخاصة.
نعم. برّز في صف النوابغ منذ مطالع شبابه مدرسًا ومعلمًا وكاتبًا وخطيبًا ومؤلفًا، وشهد بعبقريته العرب والعجم، ولا يزال يستفيد بأعماله الأكاديمية أهلُ العلم والأدب ورجالُ البحث والتحقيق.
ولقد صدق من قال: إن السيد الندوي كان بمثابة ألماسة «كوه نور» للندوة. (١)
شخصية جامعة:
كان عالمًا راسخًا في العلم، ومرشدًا روحيًّا، ومؤرخًا كبيرًا، ومؤلفًا عظيمًا، وأديبًا متميزًا، ومحققًا جليلًا، وناقدًا بصيرًا، وملمًا بعدة لغات، وشاعرًا مُجيدًا، وحافظًا للطم والرم من آلاف الأبيات من الأردية والفارسية والعربية، وخبيرًا بألاعيب السياسة، مشاركًا فيها بقدر الضرورة.
انتهج نهجًا جديدًا في النقد الشرقي، ولم ينبهر -قط- بالنقد الغربي، بل واجه صناديده مواجهة الند للند، مواجهة الخبير العليم الواثق بخبرته ودراسته، المعتز بتراثه وتاريخه.
فالاستعراضُ الكامل لنواحي شخصية السيد سليمان الندوي رحمه الله، والاستقصاء لمآثره وإنجازاته في هذا المقال الصغير ليس بصعب.. بل شبه مستحيل.. ولكن -على كل حال- سنحاول إلقاء بعض الضوء على أبرز نواحي حياته الخصبة، وأجل إنتاجاته العلمية.
شغفه بالكتاب والسنة:
عرف السيد محققًا فذًّا وكاتبًا فريدًا، ولكن شغفه بالقرآن الكريم والحديث الشريف كان على رأس اهتماماته العلمية، وقد تحدث السيد الندوي – نفسه – عن صلته بهما وعن أهميتهما:
القرآن الكريم في كل بحث من بحوث: «سيرة النبي» أساس بنائي، والحديث الشريف زخرفته وتطريزه، وهما الآن ثروتي الأساسية ورأس مالي، وزاد طريقي، أحدهما أصل، والآخر ظل، الأول الوحي الجلي، والثاني الوحي الخفي، أحدهما الدليل، والثاني النتيجة، والذي يرى: «هذا الواحد» اثنين.. أحول. (٢)
وكان كثيرًا ما يذكر قول أستاذه الجليل العلامة شبلي النعماني رحمه الله أن الفن الأصيل الأساسي: التفسير والحديث وعلم الكلام، أما الأدب والتاريخ فهما بمثابة الكوامخ -من مخللات الطعام ومشهياته- للمائدة العلمية (أو كما عبر بعض العلماء عن غير علوم الكتاب والسنة بأنها مُلَح وطرف)، كذلك المقالات الأدبية والتاريخية تكتب لتغيير الذائقة العلمية، وقد كان عملُه بذلك مدى الحياة، فأنفق حياته الغالية في تأليف: «سيرة النبي»، الذي يعد من أكثر الكتب تداولًا، وأحظاها بالقبول. (٣)
ويقول الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله عن تبحر السيد الندوي في القرآن الكريم:
«ذات مرة تكلم العلامة السيد الندوي رحمه الله – في بعض مجالسه بدار المصنفين في أعظم كراه – عن تفسير سورة الجمعة، حديثًا قيمًا جامعًا، مبينًا ترابط آياتها بعضها ببعض، ونثر دررًا وجواهر علمية، وأفاد بنقاط تفسيرية مهمة، جعلتنا نقول -مقتنعين ومعتقدين- أن اختصاص السيد الندوي الرئيسي في التفسير وتدبر القرآن الكريم». (٤)
مأثرته الكبرى:
لم تكن صلته بالعلم نابعة عن صلة الضرورة والحاجة أو المصلحة، بل كان العلم لحمته وسداه، ورضع بلبانه، وجرى منه مجرى الروح والدم، وفيه كان غذاؤه، وسلواه ونزهته، وفي رحابه كان يقضي نهاره، وفي حرمه كان يسهر ليله.
الخلاصة أن حياة السيد الندوي من طفولته إلى آخر نفس من أنفاسه – كانت عبارة عن الغوص في بحر العلم، والبحث والتحقيق، والتأليف والتصنيف، ومؤلفاته إضافة قيمة تزدان بها المكتبة الإسلامية العالمية، ولن يستغني عنها أي عالم أو باحث وهاوٍ للتحقيق والاستطلاع، ومعظمها تستحق أن تسمى: «وثائق ومستندات» في موضوعاتها، لأنها -مؤلفات السيد الندوي- عصارة التفكير المضني والبحث العميق والدراسة الواسعة والمعايشة المستمرة الدائمة للكتب القيمة والمخطوطات النادرة.. وفوق ذلك كله.. نتيجة التوفيق الإلهي والعلم الرباني الذي هو نور من الله، ونور الله لا يحظى به إلا عباد الله المتقون، كما قال الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأوصاني إلى ترك المعاصي
فإن العلم نور من إلهي
ونور الله لا يعطى لعاصى
ولكن مأثرته العلمية الدينية الكبرى، التي تجدر بأن تسمى: واسطة العقد وبيت القصيد لمنظومته التأليفية، هي إكمال سِفر ضخم في السيرة النبوية: يسمى: «سيرة النبي» الذي كان بدأ تأليفه أستاذه الجليل العلامة شبلي النعماني رحمه الله، وكان أكمل الجزء الأول منه، إذ وافته المنية، فتصدى تلميذه النابغة السيد سليمان الندوي رحمه الله لإكمال هذه السلسلة المباركة، وكان النعماني بدأ كتابة الجزء الثاني، ولكن لم يتمكن من إكماله، فأكمله تلميذه، ثم كتب الجزء الثالث والرابع والخامس والسادس، وقد كان بدأ الجزء السابع، إلا أنه لم يكتمل لوفاته رحمه الله.
هذا الكتاب: «سيرة النبي» -إلى كونه ترجمة شاملة لحياة النبي صلى الله عليه وسلم- خلاصة عطر رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وجوهرها وزبدتها، وموسوعة ضخمة تحتوى بيان عقائد الإسلام وأخلاقه.
قال عنه الشيخ الندوي رحمه الله: «لا يوجد له نظير ولا مثال في أي لغة أخرى من لغات المسلمين». (٥)
وقال الشيخ عبد الباري الندوي رحمه الله:
لم يكن السيد الندوي علامة العلوم الدينية فحسب، بل كان علامة فن: ” السيرة النبوية ” بصفة أخص، الذي لا يضارعه -أي كتابَه: «سيرة النبي» – كتاب في السيرة، والذي لن يستغني عنه أي كاتب للسيرة صغيرًا كان أم كبيرًا. (٦)
والحقيقة أن السيد الندوي لو لم يكتب كتابًا غير هذا الكتاب: «سيرة النبي»، لكفته هذه المأثرة وحدها دلالة على جلالته العلمية وشخصيته العظيمة.
شبلي النعماني والسيد الندوي:
لقد أحسن من قال: بنى شبلي النعماني شبابًا التفوا حوله، بناهم بالقدوة والتوجيه الذاتي والعناية الخاصة.
أما السيد الندوي فقد أولاه شبلي من العناية والرعاية ما لم يوله غيرَه من تلامذته.
كان والد السيد الندوي (الحكيم – الطبيب – أبو الحسن) يريد أن يشتغل ابنه بمهنة: «الطب» التي توارثها أعضاء أسرته، ولكن النعمانى لم يحب لتلميذه أن يشتغل بها، فرجا والده بل ألح عليه أن يسلم ابنه سليمان له، فما وسع والده -الذي كان عارفًا بمكانة شبلي- إلا الاستجابة لرغبة أستاذ ابنه سليمان.
وكان ذلك قدرًا مقدرًا من الله، وظل التلميذ يواصل رحلته العلمية تحت إشراف أستاذه وتوجيهه، ومازال نجم التلميذ يتألق، وقدره يرتفع، حتى عُدّ علمًا لا من أعلام علماء الهند فحسب، بل من أعلام علماء العالم الإسلامي كله.
دار المصنفين:
كان العلامة شبلي النعماني -أستاذ السيد الندوي- يزمع إنشاء مؤسسة علمية أكاديمية، تقوم بإعداد كوادر من العلماء الباحثين والمحققين، وكتابة بحوث علمية عن الإسلام والمسلمين، ولم تتحقق امنيته هذه في حياته، ولكن حققها بعد وفاته تلميذه النابغة السيد الندوي رحمه الله، وأقيمت مؤسسة: «دار المصنفين» في مدينة: «أعظم كره»، وانعقد اجتماعها الافتتاحي الأول -خلال ثلاثة أيام من بعد وفاته- في ٢١ من نوفمبر ١٩١٤ م.
مجلة: معارف:
كما كان يزمع العلامة شبلي النعماني رحمه الله إصدار مجلة علمية، اقترح -هو نفسه- اسمها: «معارف»، ولكن عاجلته المنية قبل أن تبرز إرادته هذه -أيضًا- حقيقةً على أرض الواقع، ولكن كان قُدّر تحقيق أمنيته هذه -أيضًا- بيد تلميذه هذا..، فصدرت المجلة: «معارف» برئاسة تحرير العلامة السيد سليمان الندوي رحمه الله في يوليو ١٩١٦م، ويستمر صدورها إلى الآن، ولم تحتجب ولم تتوقف قط خلال هذه المدة الطويلة، وهي ميزة لا تشاركها فيها أي مجلة أو جريدة أخرى، والمجلة هذه -في الحقيقة- تمثل ترجمانًا لـ: «دار المصنفين»، وتعتبر أرقى مجلة علمية أردية، ونشرُ المقال فيها يُعتبر شرفًا لصاحب المقال، وشهادةً بتبريزه وتفوقه العلمي.
من أقواله وآرائه:
– في بعض مجالسه تطرق الكلام إلى اللباس، فقال: الإسلام دين عالمي، جاء لكل بلد ولكل جنس ولكل جيل ولكل زمان، فلم يُلزم المسلمين بلباس معين ذي شكل خاص.
ويُلبَس اللباسُ لثلاث ضرورات.. للحياء.. للزينة.. للعافية.. والإسلام آثر الحياءَ منها. (٧)
– كان يرى نظام التعليم السائد المزدوج الموزَّع بين التعليم الديني والعصري ضارًّا جدًّا، وقد ظل يرفع صوته – مدى الحياة – ضد هذا النظام الذي أدت إليه سياسة الإنجليز، وكان يحب أن يغيّر هذا النظام تغييرًا كاملًا، ويوضع نظام تعليمي جامع شامل جديد، يُخَرِّج – إلى العلماء الراسخين المتخصصين في مختلف علوم الشريعة – مهندسًا ملمًّا بالفقه، ومحاميًا عالمًا بالشريعة، وهكذا دواليك.. (٨)
شمائله:
– كان هينًا ليّنًا سهلًا سمحًا، مسيطرًا على نفسه حتى في أشد حالات الغضب، لم تسمع منه كلمة نابية تجرح الشعور، ولا آذى أحدًا لا بلسانه ولا بقلمه، وإذا شعر بأن أحدًا ساءه سلوكه أو قوله، ترضاه واستعتبه، ولوكان تلميذًا له أو أصغر منه.
قال بعض معارفه عنه: لو لم تكن في السيد الندوي محمدة غير إنسانيته، لكفته أن تجعله رجلًا عظيمًا من الدنيا “.
– كان لا يبالغ في مدح معاصريه، ولا ينال منهم بالسخرية أو الانتقاص أو التهوين من مكانتهم.
– صريحًا بالجهر بما يراه حقًّا، لا تاخذه في الله لومة لائم، ولم تؤخذ عليه مداهنة أو مجاملة في أمر من أمور الدين.
ذات مرة ألقى الكلمة في: «دار السلام» بحيدرآباد، حيث كان يحكمها حاكم حر في إدارة ولايته، بعد انتهاء الكلمة وجه شاب إليه سؤالًا حرجًا، فقال: يا مولانا! ما مكانة المَلَكِية في الإسلام؟ فأجاب في صراحة وجراءة: لا مكان في الإسلام لأي نوع من أنواع الملكية، ولا تجوز الطاعة لغاصب الحكم والسلطة. (٩)
– كان أبيًّا غيورًا متماسكَا لا يتزحزح – قيد أنملة – عن الحق، ولا يرضى بأي مساومة في الدين والشريعة، أصدر نِظَامُ حيدر آباد – الدكن، الهند – أمرًا بتخصيص منحة علمية شهرية (٢٠٠ روبية) له، وبينما كانت تتخذ إجراءات روتينية لتنفيذ الأمر الملكي، إذ أعلن السيد الندوي رفضه لقبول المنحة، وقال إن النظام يريد أن يشتري إيماني عوضًا عن هذه المنحة، فتعجب الناس.. وسألوا عن سبب الرفض، فقال: إن النِّظَام أراد أن يأخذ منى رأيًا موافقًا له في قضية اجتهادية، ولم يحقق السيد الندوي رغبة النظام فحسب، بل امتنع من قبول المنحة أيضًا. (١٠)
– راسخًا في العقيدة، حريصًا على اتباع السنة، كارهًا للبدع إلى آخر حد من الكراهية، إذا رأى بدعة اضطرب وتألم، واهتم بالقضاء عليها، وإذا رأى عملًا بدعيًّا من الكبار، نصحهم كتابيًّا.
– متواضعًا، بعيدًا -أبعد ما يكون- من الإعجاب بالنفس، خاضعًا للحق، إذا بان له خطأ رأيه، لم يتررد لحظة -رغم مكانته العلمية- في الرجوع عن رأيه، وقبول الحق، كان اختلف مع جمهور الأمة في مسائل، مثل التصوير، وفناء النار، والمعراج الجسماني وغيرها، ولكن لما ظهر له الحق، رجع عن رأيه فيها بدون أي تأويل أو تردد، وأعلن ذلك في: «معارف». (١١)
– كان محبوبًا محترمًا لدى جميع طبقات الأمة خاصتها وعامتها، حتى حظي بحب مرشده الروحي حكيم الأمة الشيخ أشرف علي التهانوي رحمه الله حبًّا لم يكن من نصيب الآخرين إلا نادرًا جدًّا، حبًّا أفاض على قلم المرشد التهانوي أبياتًا فارسية في مدح المريد الندوي، تنم عما كان يُكِنّ التهانوي من مشاعر فياضة بالحب والإعجاب بما حبا الله به مريدَه ذلك من مواهب وصلاحيات خاصة.
ألقابه:
وصفه محبوه وعارفوا قدره بعدة صفات وألقاب، فمن ألقابه: (سيد الطائفة ) و: (سيد الملة ) و: (سيد القلم) و: (سيد المصنفين) و: (سيد القلوب) لتربعه على عرش القلوب و: (إمام الأوفياء) لصفاته النبيلة الكريمة من النبل والكرم والوفاء والمروءة.
معلومات شتى مهمة عن العلامة السيد سليمان الندوي:
– ولادته: الجمعة: ٢٣ صفر ١٣٠٢ھ = ٢٢ نوفمبر ١٨٨٤م.
– وفاته: ١٣٧٣ھ = ٢٢ نوفمبر ١٩٥٣م.
– نسبه: ينتهي – من الخؤولة والعمومة – إلى زين العابدين بن الحسين بن فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم.
– التحق بالندوة ١٩٠١م = ١٣٧٨ھ، وتخرج منها ١٩٠٦م.
– بدأ حياته العلمية والأدبية نائبًا لرئاسة تحرير جريدة: ” الندوة “.
– عين مدرسًا لعلم الكلام والأدب العربي الجديد بالندوة ١٩٠٨م.
– كما عمل عضوًا في هيئة التحرير لجريدة: ” الهلال ” التي كان يصدرها مولانا أبو الكلام آزاد من كلكتة.
– تولى رئاسة القضاء في بهوبال ثلاث سنوات، استجابة لرغبة حاكم ولاية بهوبال.
– منحته جامعة عليكره الإسلامية شهادة الدكتوراة الفخرية في الأدب اعترافًا بمكانته العلمية.
– اختاره مجمع فؤاد الأول في مصر عضوًا مراسلًا في سنة ١٣٧١ھ ۔
– كان من أعضاء الوفد الذي توجه إلى لندن برئاسة مولانا محمد على جوهر لإجراء المفاوضات مع الحكومة البريطانية حول تحرير البلاد.
– في سنة ١٩٢٦م رأسَ الوفد الهندي الذي توجه إلى مكة المكرمة، للمشاركة في المؤتمر الإسلامي الذي دعا إليه الملك عبد العزيز آل سعود، وكان الوفد مكونًا من كبار زعماء الهند مثل مولانا شوكت علي ومولاناغ محمد علي جوهر وغيرهما، وكتب تلميذ السيد الندوي الأستاذ مسعود عالم الندوي عن الوفد قائلًا: «أما أعماله وخدماته في المؤتمر الإسلامي بمكة المكرمة، فذلك يفوق الوصف والبيان، فقد كان السيد (العلامة) همزة الوصل بين وفد الهند ووفود البلدان الإسلامية الأخرى، واختير لنيابة رئاسة المؤتمر من بين رجالات العالم الإسلامي». (١٢)
– كان أحد أعضاء الوفد الذي توجه إلى أفغانستان تلبية لدعوة من الملك نادر شاه، وكان يضم الوفد كلًا من العلامة الدكتور محمد إقبال وسر رأس مسعود.
– من مقالاته التاريخية التي كانت لقيت صدى واسعًا في طول البلاد وعرضها: «مشهد أكبر» الذي كان كتبه بعد حادث: «مسجد كانبور»، والذي كان ملأ البلاد حمية وحماسة وشجاعة، وحولتها إلى شعلة من الثوران والغليان ضد الاستعمار، وقال عنه: هذا هو المقال الذي أدى إلى انعزالي عن وادي: «السياسة» المفروش بالشوك والقتاد، وفارسُ هذا المضمار مولانا آزاد، أما أنا فقد قررت أن أقضي حياتي وفق مشوار مدروس من الخطط والأعمال العلمية.
– كان – إلى تمكنه من الأردية والفارسية والعربية – عارفًا بالعبرية أيضًا، فكان تعلمها -خلال إقامته بـ: «بونا» مدرسًا بإحدى كلياتها- من يهودي، ليستعين بها -العبرية- في تأليف: «أرض القرآن».
– كان يفهم الكتب والجرائد الإنجليزية، ولم يكن ينطق أو يكتب بالإنجليزية.
– من مجاهداته ومن الدلائل على عاطفته الروحية وحبه الصادق وأدبه الجم واحترامه العظيم للرحاب الطاهرة أنه بعد نزوله من الباخرة لم يركب دابة أو سيارة، بل قام برحلة الحج كاملة مشيًا على الأقدام.
– أعرف (أي كاتب السطور) -من أبنائه- الدكتورَ سلمان الندوي، الذي يصدق عليه: «الولد سر أبيه»، فقد ورث حظًا وافرًا من علم أبيه وفضله وخلقه، تشرفت بلقائه أكثر من مرة، وكان يزور والدي الشيخ محمد برهان الدين السنبهلي رحمه الله في بيته، كلما أتى إلى الندوة.
من أبرز أساتذته:
العلامة شبلي النعماني – الشريف عبد الحي الحسني والد الشيخ أبي الحسن الندوي -الشيخ محمد فاروق الجرياكوتي- المفتي عبد اللطيف السنبهلي، – الشيخ شبلي الجيراجفوري.
من تلامذته المعروفين:
الشيخ أبو الحسن الندوي
الأستاذ محمد ناظم الندوي
الأستاذ عبد الرحمان النجرامي الندوي
الشيخ محمد أويس الندوي
الأستاذ أبو الليث الندوي
الأستاذ معين الدين الندوي
الأستاذ أبو العرفان الندوي
من أهم مؤلفاته:
١- أرض القرآن (شرح الأماكن التي ورد ذكرها في القرآن الكريم).
٢- سيرة النبي (ستة مجلدات، نقلت كلها إلى العربية).
٣- عربوں کی جہاز رانی (ملاحة العرب).
٤- خطبات مدراس (محاضرات في السيرة، ألقاها في مدينة: «مدراس» بالهند، وقد نقلت إلى العربية باسم: الرسالة المحمدية).
٥- حيات امام مالك (ترجمة للإمام مالك بن أنس)
٦- سيرت عائشة (ترجمة للسيدة عائشة رضي الله عنها).
٧- ابن خلكان وتاريخ ابن خلكان
٨- خلافت اور ہندوستان (قضية الخلافة والهند).
من أشهر مقالاته:
مشهد أكبر -المسلمون وعلم الهيئة- طبقات الأرض -إنجيل برنابا- شجاعة النساء المسلمات -الاشتراكية والإسلام- مكتبة الإسكندرية.
قالوا عنه:
يقولون: «المعاصرة سبب المنافرة» وأيضًا قالوا: «المعاصرة أعدى أعداء الاعتراف بالنبوغ».
ولكن هذا الرأي ليس بصحيح تمامًا، فقد يكون – هناك – من النوابغ من يعترف بفضلهم ونبوغهم معاصروهم أيضًا.. وخير مثال لذلك: السيد الندوي رحمه الله، فقد اعترف بشخصيته المتميزة الكثير من أعلام المعاصرين من كلتا الطبقتين: العلماء والطبقة المثقفة بالثقافة العصرية.
– فيكفي تقديرًا لعظمة شخصية السيد الندوي أن شاعر الإسلام العلامة الدكتور محمد إقبال لم يعترف بمكانة السيد الندوي العلمية والأدبية فحسب، بل وأفاد منه واقتبس من منهله، وقال عنه:
«العلامة السيد سليمان الندوي رحمه الله يعتلي اليوم أعلى درجة من سلم حياتنا العلمية، وهو ليس بعالم فحسب، بل إنه سيد العلماء، وليس بمجرد مؤلف، بل رئيس المؤلفين، إن وجوده كبحر زخار للعلم والفضل، انفجرت منه مئات بل آلاف من الأنهار، وتسقي آلاف الزروع والحقول الجدبة». (١٣)
– ونظرًا لبراعته في مختلف العلوم والفنون وثقافته الواسعة وصفه البعض بـ: – جاحظ العصر، وقالوا: إذا أضيف إلى العلم العملُ، فاق الجاحظَ. (١٤)
– اعتبر الدكتور حميد الله الصديقي الحيدر آبادي السيدَ الندوي: «مفخرة العصر»، وقال عنه: كان العلامة السيد سليمان الندوي رحمه الله يوقع في رسائله بـ: «سيد سليمان» فقط، ولكن الدنيا كلها تعرفه بكونه: ندويًّا، وعلى ندوة العلماء أن تعتز بابنها هذا، (اعتزاز جميع القارات التي تحت جبل همالايا..) لا أن يعتز الابن بانتمائه إلى الندوة.. واستغفر الله.. فلا أريد الانتقاص من ندوة العلماء، أو التهوين من شأنها.
لو عاش السيد سليمان الندوي إلى ١٤٠١ھ، لتصورته مجدد القرن الخامس عشر الهجري، لقيامه بالخدمات العظيمة للعلوم الإسلامية. (١٥)
– قال عنه أستاذه العلامة شبلي النعماني:
” ما الذي لم تصنعه الندوة.. إنها أنجبت رجلًا فذًّا: سليمان.. وكفاها فخرًا.. (١٦).
– وقريبًا من ذلك قال تلميذه الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله:
لو لم تنجب الندوة شخصيةً غيرَ العلامة السيد سليمان الندوي، لكفاها فخرًا وشرفًا. (١٧)
الهوامش:
(١) أي جبل النور، ألماسة مغول (Mughal) العظيمة، عثر عليها في الهند، اكتشفت كحجر خام يزن 787 في مناجم كولكندا عام 1650م، وكانت جزءا من جواهر التاج الهندي، ثم نقلت إلى بريطانيا.
(٢) حضرت علامہ سید سلیمان ندوی (مشاہدات وتأثرات) مرتب: طلحہ نعمت ندوی، ص: ١٤ ۔
الطبعة الأولى ١٣٣٧ھ = ٢٠١٦م ۔
الناشر: علامہ سید سلیمان ندوی اکیڈیمی استہانواں، بہار شریف، الهند.
(٣) سيد سليمان ندوى، حيات اور ادبي كارنامے: د.سيد محمد هاشم، ص: ٢٧. الطبعة الأولى ١٩٩٥م. القسم الأردي، جامعة عليكره الإسلامية ۔ الهند
(٤) حضرت علامہ سید سلیمان ندوی: مرتب: طلحہ نعمت ندوی، ص: ١٣٠
(٥) أيضًا: ١٤٨
(٦) أيضًا: ٩٩
(٧) أيضًا: ١٩٦
(٨) أيضًا: ٢٠٠
(٩) أيضًا: ٢٠٢
(١٠ أيضًا: ٢٠٢
(١١) أيضًا: ١٦١
(١٢) د. السيد تقي الدين أحمد الندوي: عبقرية العلامة السيد سليمان الندوي رحمه الله،ص: ٥٤.
الطبعة الأولى: ١٤٤٢ھ – ٢٠٢٢م.
(١٣) سيد سليمان ندوى: مرتب: خليق أنجم، ص: ١٠، ١١. سنة الطبع: ١٩٨٦م
انجمن ترقي اردو، دلهي، الهند.
(١٤) حضرت علامہ سید سلیمان ندوی ( مشاہدات وتأثرات )، ص: ٣١٤.
(١٥) المصدر السابق: ٣١٠.
(١٦) (١٨) المصدر السابق: ٣٦٣.
(السبت: ١٨ من ذي القعدة ١٤٤٦ھ = ١٧ من مايو – أيار – ٢٠٢٥م).