لم تعد العيدية في الدول العربية تقتصر على الأوراق النقدية الجديدة داخل مغلّف ملون يحمل عبارة “عيد سعيد”، بل تطوّرت لتواكب التحولات الاقتصادية والتكنولوجية، وأخذت أشكالًا جديدة تعكس تغيّر أنماط الحياة ووسائل التبادل المالي في العصر الحديث. ورغم هذا التغير، فإن جوهر العيدية بقي ثابتًا: رمزًا للفرح، والمشاركة، والعطاء.
تقليد متجذّر في الثقافة العربية
لعقود طويلة، كانت العيدية تُمنح على شكل نقود معدنية أو ورقية تُقدَّم للأطفال في أول أيام عيد الفطر وعيد الأضحى، في تقليد يحرص عليه الآباء والأجداد. وكانت الأطفال تنتظر صباح العيد بملابسهم الجديدة، يطوفون على منازل الأقارب لجمع العيديات، وهي عادة متوارثة تحمل أبعادًا اجتماعية وعاطفية، وتعكس روح التضامن والفرح في المجتمع العربي.
العيدية النقدية… استمرار رغم التحوّل
لا تزال العيدية النقدية تحتل المرتبة الأولى في العادات المالية خلال الأعياد، خاصة في مصر والسعودية وبلاد الشام، حيث يحرص الأهالي على استبدال الأموال القديمة بأخرى جديدة من فروع البنوك، لتوزيعها على الأطفال والأقارب. وتقوم بعض المصارف المركزية في هذه الدول بضخ كميات إضافية من العملات الورقية الصغيرة، خاصة فئة 5 و10 جنيهات أو ريالات، لتلبية الطلب المتزايد قبيل الأعياد.
في قطر مثلًا، أطلق مصرف قطر المركزي مبادرة “خردة العيد”، حيث وُضعت أجهزة صراف آلي خاصة لتوفير الفئات الصغيرة، وبلغت السحوبات منها في عيد الفطر 2025 نحو 182 مليون ريال قطري. وفي مصر، سمح البنك المركزي بصرف الأموال الجديدة من الفروع، مع إعطاء الأولوية لحاملي الحسابات البنكية.
العيدية الرقمية تفرض نفسها
مع الانتشار الواسع للتكنولوجيا المالية، بدأت العيدية تأخذ شكلاً رقميًا، حيث بات كثير من الأهالي يستخدمون تطبيقات تحويل الأموال مثل “فون كاش” في مصر، و”STC Pay” في السعودية، و”Payit” في الإمارات لإرسال العيدية لأطفالهم أو أقاربهم، خاصة في ظل السفر أو التباعد الجغرافي.
وقد أظهرت تقارير إعلامية أن العيدية الرقمية شهدت نموًا لافتًا خلال جائحة كورونا، وارتفع حجم التحويلات عبر المحافظ الإلكترونية بنسبة تصل إلى 50% في بعض الدول العربية خلال موسم الأعياد.
هل تصبح العيدية “كريبتو”؟
مع تسارع تبني العملات المشفرة، بدأت بعض الفئات الشابة تفكر في تقديم العيدية على شكل أجزاء من عملات مثل “بتكوين” أو “إيثيريوم”. ففي الإمارات، تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 32% من السكان يستخدمون العملات المشفرة، ما يفتح الباب أمام دخول العيدية عالم الكريبتو، خاصة في صفوف الشباب والمراهقين الذين يتعاملون مع هذه الأصول كفرص استثمارية.
أداة اقتصادية ونفسية
لا تقتصر العيدية على كونها عادة اجتماعية، بل تُعد أيضًا محركًا اقتصاديًا مؤقتًا، يُنشّط حركة الأسواق المحلية، خاصة في قطاع الملابس، الألعاب، والحلويات. كما أنها تمنح الأطفال فرصة لتعلّم المبادئ المالية مثل الادخار والإنفاق الرشيد، وتُعزّز شعورهم بالاستقلال والمسؤولية.
ورغم تفاوت قيم العيدية بين أسرة وأخرى، فإن دور الأهل يبقى مهمًا في توجيه الطفل نحو فهم رمزية العيدية أكثر من قيمتها المادية، للحفاظ على جوهر الفرح المشترك وروح العيد.
وهكذا، تبقى العيدية في الدول العربية تقليدًا حيًا يتطور مع الزمن، دون أن يفقد دفئه الإنساني.