الغرب يسعى لإحراز النّصر المعنوي على الإسلام.. لكن هيهات
بقلم: عمر بلقاضي
ما يحدث في البلدان العربية والإسلامية من احداث دامية بين المسلمين وفوضى وتفجيرات ومجازر بشعة مقززة هو عمل مخابراتي صهيوأمريكي الهدف منه تشويه صورة الإسلام للراي الغربي خاصة والعالمي عامة تمهيدا لدحره في الغرب وغير الغرب والمقالة تسلط الضوء على هذه المكيدة.
يدرك الصليبيون من خلال تجاربهم عبر التاريخ في صراعهم مع المسلمين أن الحسم العسكري وحده لا يكسبهم الانتصار على الإسلام، لأنه سرعان ما يجمع فلوله وأشتاته ويصير أقوي مما كان، لذلك راحوا يخططون لحسم المعركة معنويا أيضا، فعملوا على تشويه صورة الإسلام والمسلمين بأساليب مخابراتية بالغة في الخبث والمكر، لكنها مكشوفة مفضوحة عند أولي النهى والبصائر وكأنها حماقات صبيان، ومن تلك الأساليب ما يلي
أولا: تكوين منظمات إرهابية باسم الجهاد الإسلامي يجنّد بها شبان مسلمون متحمسون وسذج
(شعروا بذلك أم لم يشعروا، قصدوه ام غرِّر بهم) يراد بها تحقيق الأهداف التالية:
-1- إضفاء الصفة الأخلاقية على الحرب الصليبية الصهيونية على الإسلام، أي إظهار تلك الحرب العدوانية بصورة الحرب الدفاعية الوقائية ضد الهمج المتوحشين الإرهابيين كما يحلوا لهم تسمية المسلمين، وتفجيرات أمريكا وأوربا وبعض الدول الافريقية والعربية تدخل ضمن هذا المخطط
-2- جعلها غطاء للجرائم الصهيونية الصليبية التي تنسب في النهاية للإسلام وتحسب عليه لتشويهه وبث النفور منه، واستنزاف الإمكانيات البشرية للأمة بالتفجيرات في الأماكن العامة وبالاغتيالات المكثفة، وقد حدث من ذلك الكثير في الجزائر ويحدث ما هو أكثر منه في العراق.
-3- بث الفرقة وإذكاء العداوة والأحقاد بين المسلمين بضرب بعضهم ببعض تحت غطاء تلك التنظيمات وها هي المخابرات الصهيونية في العراق تفجر الأضرحة الشيعية والمساجد السنية وتنسب ذلك للتنظيمات الجهادية للطرفين من أجل إحداث الوقيعة الدموية بينهما، وقد نجحت في ذلك.
-4- استخدام تلك التنظيمات كأدوات تحقق بها مخططاتها والاقتصاد في إقحام جيوشها في الصراع
للتقليل قدر الإمكان من الخسائر البشرية في صفوفها، لأن الرأي العام في الغرب لا يتحمل كثرة الخسائر البشرية، وهكذا يطيلون عمر الحملة على الإسلام حتى تتحقق أهدافهم منها, وهذا مشاهد في العراق والصومال ولبنان وحتى في فلسطين المغدورة.
-5- شغل الأمة الإسلامية وإرهاقها بصراعات داخلية بواسطة هذه التنظيمات، يؤدي الى خراب العمران والاقتصاد وانتشار الجهل والأمية ومظاهر البؤس والحرمان، وتفشي الجرائم والفواحش, وهذا يعرقل رسالة الإسلام, ويحجبها حتى في البلدان الإسلامية، فضلا عن أن توجه للشعوب والأمم الأخرى. وتصير الشعوب الإسلامية أرضا خصبة للتنصير، الذي يستغل بخسة ومكر المآسي التي يسببها التخطيط الغربي في الوطن الإسلامي ليزرع سمومه.
ثانيا: العمل على تدمير العقيدة والأخلاق والقيم في الشعوب الإسلامية، وتكليف
المتغربين المجندين للمشروع الامريكوصهيوني بالإشراف على هذه المهمة القذرة بشتى الوسائل والتي منها:
-1- تكييف المنظومات التربوية في الوطن العربي والإسلامي لما يخدم ذلك المشروع ويبعد الأجيال عن عقيدتها وقيمها الإسلامية المحصنة.
-2- نشر الفساد والرذيلة والتحلل الخلقي بواسطة الإعلام ووسائل الثقافة، وذلك يحقق له أهدافا خطيرة أهمها: القدرة على التحكم في أبناء المسلمين، لأن الشخص الذي لا عقيدة له ولا أخلاق من السهل شراء ذمته والتحكم فيه ليجند في المشروع التغريبي ويدجن في زريبة العولمة، وكذلك تلويث الإسلام بالمنتسبين إليه حتى تزال عنه خاصية التميز الخلقي، وينفر منه من لا يعرفه من خلال تعاليمه، ويحمله فساد المنتسبين إليه زورا وبهتانا، والذين هم في الحقيقة أتباع للغرب في سلوكهم وليسوا أتباعا له.
ثالثا:إثارة النعرات العرقية والمذهبية في شعوب الأمة الإسلامية لإحداث الصراعات التي
يتخذها ذريعة للتدخل الاستدماري، وفتح ثغرات ينفذ منها ويجعلها موضع قدم له في الوطن الإسلامي، وإبعاد العرقيات غير العربية عن اللغة العربية، وبالتالي إبعادها عن القرآن والإسلام، وكذا تفتيته إلى كيانات متناحرة ليسهل عليه ابتلاعها دينيا وعسكريا، والأمثلة واضحة في العراق والسودان.
ومما يؤكد أن الغرب يريد حسم المعركة مع الإسلام لا مع المتمسلمين، ومع
الإسلام الصحيح لا مع أي إسلام، هو تركيز ضرباته الحسية والمعنوية على قلب الأمة الإسلامية، وأعني الأمة العربية، فها هو يمد أذرعه الأخطبوطية
السامة ليحاصرها من كل الجهات: جغرافيا بالقواعد العسكرية، اقتصاديا بنهب ثرواتها, بشريا بإفساد الإنسان العربي خلقيا وفكريا، وذلك بنشر الجهل والرذائل فيه, بسياسة مدروسة ومركزة, والعراق ولبنان شاهدان على ذلك .
وهاهو يوجه طعناته الغادرة بتركيز شديد الى النبع الصافي للإسلام وهو الإسلام الأبي المقاوم لغطرسته، لأنه إذا جف النبع جفت السواقي، فهو لا يهتم كثيرا بالمذاهب الإسلامية المنحرفة لأنها تحمل عوامل فنائها في ذاتها، بل يشجعها ويدعمها، وهذا ملاحظ بوضوح في تعامله مع الفرق والمذاهب الإسلامية في كل مكان.
إن الغرب الآن يستغل ضعف الأمة الإسلامية وتشتتها وسباتها الى أقصى ما يمكن، فهو يسابق الزمن لشل العملاق النائم، وتقطيع أوصاله، وجعله عاجزا عن الحركة حين يستيقظ، لكن.. هيهات.. لعل
هذه الضربات الشديدة المركزة هي التي تعيد للأمة الإسلامية رشدها ووعيها، وتسرِّع في استيقاظ عملاقنا النائم، بل إن بوادر نهوضه هي التي أفقدت الغرب رشده، فراح يخبط خبط عشواء كالمخبول أو المخمور خوفا وهلعا، رغم أن الإسلام مصدر رحمة للعالمين، فهو وحده المؤهل لتخليص العالم من المآسي والأزمات التي أرداه فيها النمط الحضاري الغربي دينا ودنيا.