في قلب دارفور المحترقة تئن الفاشر تحت وطأة الحصار والجوع والموت، حيث تحولت شوارعها إلى ساحات قتال ومخيمات النازحين إلى مقابر جماعية الأطفال يموتون جوعا والنساء يتعرضن للاغتصاب والعنف، والرجال يُقتلون دون رحمة في مشهد يتكرر يوميا دون رادع أو محاسبة، بينما العالم ينظر بقلق لكنه عاجز عن وقف المأساة التي تهدد بتمزيق السودان وتفاقم الكارثة الإنسانية التي توشك أن تتحول إلى إبادة جماعية.
أعرب أعضاء مجلس الأمن عن قلقهم البالغ إزاء التقارير التي تتحدث عن تجدد هجمات قوات الدعم السريع في الفاشر وحثوها على السماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى المدينة التي تحولت إلى سجن كبير.
جاء ذلك في بيان صحفي أصدره أعضاء مجلس الأمن مؤخرا، استذكروا فيه القرار 2736 لعام 2024 الذي يطالب قوات الدعم السريع برفع الحصار عن الفاشر، ويدعو إلى وقف فوري للقتال في المدينة وما حولها، حيث يزداد خطر المجاعة وانعدام الأمن الغذائي بشكل مخيف.
وأدان أعضاء مجلس الأمن أيضا الهجمات التي شنتها الأطراف في منطقة كردفان خلال الأسابيع الأخيرة والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين كما أعربوا عن قلقهم العميق إزاء الهجمات المستمرة على العمليات الإنسانية التي تحاول إنقاذ ما تبقى من حياة في مناطق الصراع.
وشددوا على ضرورة السماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق وفقا لأحكام القانون الدولي الذي أصبح حبرا على ورق في ظل انتهاكات متواصلة.
رفض تقسيم السودان
رفض أعضاء مجلس الأمن بشكل قاطع أي محاولة لإقامة سلطة موازية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع محذرين من أن هذه الخطوة تمثل تهديدا مباشرا لوحدة السودان وسلامة أراضيه وتنذر بتفاقم الصراع وتفتيت البلاد.
وأكدوا التزامهم بسيادة السودان واستقلاله ووحدته، مشددين على أن أي خطوات أحادية الجانب تقوض هذه المبادئ لن تدمر السودان فقط بل ستزعزع استقرار المنطقة بأكملها.
استئناف المحادثات
وجددوا دعوتهم لاستئناف المحادثات بين الأطراف للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار وتهيئة الظروف لحل سياسي شامل يشارك فيه كل الفاعلين السودانيين لإعادة الانتقال السياسي نحو حكومة منتخبة ديمقراطيا تحقق أحلام الشعب السوداني في السلام والاستقرار.
وحذروا من أي تدخل خارجي يهدف إلى تأجيج الصراع وأكدوا دعمهم الكامل لمبعوث الأمين العام رمطان لعمامرة في جهوده لتحقيق سلام دائم عبر الحوار.
كارثة إنسانية تتفاقم
قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن 17 منطقة في السودان أصبحت على حافة المجاعة بما فيها دارفور وجبال النوبة والخرطوم والجزيرة.
وأضاف أن الوضع في الفاشر ساء للغاية، حيث يعيش السكان على علف الحيوانات ونفايات الطعام بعد أن حوصرت المدينة وقطعت عنها المساعدات.
وأشار إلى أن برنامج الأغذية العالمي يواصل تقديم مساعدات نقدية لنحو ربع مليون شخص في الفاشر لكن الاحتياجات تفوق القدرات المتاحة بكثير.
غضب أممي من مجزرة الفاشر
أعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك عن غضبه إزاء الهجوم الوحشي الذي شنته قوات الدعم السريع على الفاشر ومخيم أبو شوك للنازحين والذي أسفر عن مقتل 57 مدنيا بينهم 40 نازحا في المخيم.
وقال تورك إن المكتب يتلقى تقارير عن إعدامات تعسفية بحق نازحين أثناء الهجوم محذرا من انتهاكات جسيمة قد ترقى إلى جرائم حرب.
وأكد أن المدنيين في الفاشر يعانون منذ أكثر من عام من حصار خانق وهجمات متكررة وظروف إنسانية لا إنسانية داعيا إلى وقف هذه الانتهاكات فورا.
شهادات مرعبة من الناجين
كشف مكتب المفوضية عن شهادات صادمة لناجين من هجمات سابقة في دارفور تحدثوا عن عمليات قتل واغتصاب جماعي وتعذيب وإخفاء قسري أثناء فرارهم من المناطق المحاصرة.
وحث تورك الأطراف على فتح ممرات آمنة للمدنيين وإبرام هدنات إنسانية عاجلة كما دعا المجتمع الدولي إلى استخدام نفوذه لوقف الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها
وكان برنامج الأغذية العالمي حذر من أن مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور في السودان، تقف على أعتاب كارثة إنسانية غير مسبوقة، مع خطر مجاعة وشيكة يهدد مئات الآلاف من السكان، نتيجة الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، والانقطاع الكامل للمساعدات الإنسانية منذ مايو 2024.
وأكد البرنامج الأممي في بيان حديث أن السكان يعيشون “محنة يومية”، وأن قدرتهم على الصمود “تلاشت بالكامل”، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة 460%، ما أدى إلى فراغ الأسواق من السلع وإغلاق معظم المطابخ الجماعية، الأمر الذي دفع عائلات إلى اللجوء لتناول العلف أو النفايات.
وأشار البيان إلى أن 40% من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد، بينهم 11% في حالة خطرة، مما ينذر بكارثة صحية تهدد مستقبل أجيال كاملة في المدينة.