أثار كتاب “الفراعنة لصوص حضارة” للباحث المصري محمد سمير عطا زوبعة فكرية وثقافية منذ صدوره، وذلك بسبب أطروحته الصادمة التي تُخالف ما استقر عليه علم المصريات ووعي الجماهير. حيث يزعم عطا في هذا الكتاب أن الفراعنة لم يبنوا الأهرامات ولا المعابد المصرية القديمة، بل استولوا عليها من “قوم عاد”، أمة جبارة يعتقد أنها سكنت الأرض قبل آلاف السنين.
كتاب «الفراعنة لصوص حضارة» من تأليف محمد سمير عطا
صدر لأول مرة في سنة 1996م، عن دار بيت الحكمة للإعلام والنشر والتوزيع في القاهرة، وكان عدد الصفحات حوالي 84 صفحة..
الكتاب يثير إشكاليات عدة بين الدين والتاريخ، وبين التراث المادي والرواية القرآنية. وهو عمل “له وعليه”، يعكس تصوّرًا غير تقليدي للتاريخ المصري، ويعيد فتح ملف أصول الحضارة القديمة، ولكن بلغة لا تخلو من الحماسة والمواجهة المباشرة مع المؤسسات العلمية والأثرية في مصر والعالم.
مضمون الكتاب:
ينطلق الكاتب من رؤية قرآنية يعتبرها مُهمّشة في خطاب علم الآثار، ويُعيد قراءة الآيات المتعلقة بـ”قوم عاد”، ويقارن بينها وبين الآثار المصرية، لا سيما الأهرامات. ويذهب إلى أن تلك المنشآت العملاقة التي حيّرت العلماء، مثل الهرم الأكبر، لا يمكن أن يكون قد بناها الفراعنة بوسائلهم البسيطة، بل هي من بناء أمة تفوقت في العمران، وهم “عاد الأولى”، حسب تعبيره.
ويصف الفراعنة بأنهم “لصوص حضارة” سرقوا هذه الإنجازات ونسبوها إلى أنفسهم، واستثمروا إرثًا لا صلة لهم بصناعته.
أبرز فصول الكتاب:
1- من هم الفراعنة؟
إعادة تعريف الهوية الحضارية والتاريخية للفراعنة.
2- قوم عاد: أصحاب العماد التي لم يُخلق مثلها في البلاد
تحليل لغوي وتاريخي للآيات الكريمة المتعلقة بعاد، وربطها بالعمارة الضخمة في مصر.
3- هل الأهرامات من بناء الفراعنة؟
استعراض الإشكاليات الهندسية والمعمارية في بناء الأهرامات، وكيف تتجاوز إمكانات الفراعنة.
4- أكاذيب علم الآثار؟
هجوم مباشر على علم المصريات الحديث، واتهامه بتزييف التاريخ خدمة لأجندات استعمارية وثقافية.
5- عاد والفراعنة.. التزوير التاريخي
يعرض الكاتب تصوّره لعملية “انتحال” الفراعنة لإنجازات من سبقهم.
6- القرآن الكريم والتاريخ الغائب
قراءة تأويلية لعدد من الآيات القرآنية كمصدر تأريخي مغيّب.
7- علماء ضد الحقيقة
يتناول الهجوم الذي تعرض له المؤلف، ويعرض بعض الردود عليه، ويرد بدوره عليها.
أهم ما جاء في الكتاب:
الزعم بأن قوم عاد عاشوا في مصر وليس في اليمن أو الربع الخالي كما هو شائع.
نفي أن يكون خوفو أو خفرع أو منقرع قد شيّدوا الأهرامات.
اعتماد الآيات القرآنية مصدرًا تأريخيًا أصيلاً.
دعوة لإعادة كتابة التاريخ المصري استنادًا إلى المصادر الإسلامية.
اتهام المؤسسات الغربية والمصرية بإخفاء الحقائق التاريخية عمدًا.
أبرز المقولات:
“لقد سرق الفراعنة حضارة قوم عاد، ونسبوها لأنفسهم، وخدعتنا كتب التاريخ!”
“القرآن الكريم هو الوثيقة الوحيدة التي لم تتعرض للتزوير، وفيه مفاتيح التاريخ الغائب.”
“لو كان الفراعنة هم من بنوا الأهرامات، فلماذا عجزنا حتى اليوم عن فهم تقنياتها؟”
“عاد هم أصحاب الأهرام، وأصحاب العماد، لا الفراعنة.”
المؤلف:
محمد سمير عطا كاتب مصري، لا يُصنّف ضمن التيار الأكاديمي الرسمي، لكنه ينتمي إلى مدرسة “المراجعة التاريخية”، ويسلك طريقًا تصادميًا مع المسلمات التاريخية. يصف نفسه بـ”الباحث في الحضارات القديمة من منظور قرآني”.
نشر عدة مقالات وكتب تناقش علاقة الدين بالتاريخ، ويرى أن القرآن الكريم يمكن أن يكون مرجعًا تاريخيًا وعلميًا لا يقل شأنًا عن النقوش واللقى الأثرية.
أبرز من ردّ على الكتاب:
لاقى الكتاب سيلًا من الانتقادات من عدد من علماء المصريات والباحثين والصحفيين، من أبرزهم:
د. زاهي حواس (وزير الآثار الأسبق): قال إن “ما ورد في الكتاب هراء لا يستند إلى أي دليل أثري، وهو محاولة للهدم لا للبناء”.
د. بسام الشماع (مؤرخ ومرشد سياحي): اعتبر الكتاب إهانة للهوية المصرية، واستغلالًا للآيات الدينية لتبرير أوهام.
الكاتب الصحفي سيد محمود: كتب في “الأهرام” أن ما فعله عطا هو ترويج للخرافة في ثوب العلم، وتكريس لخطاب شعبوي ضد المؤسسات.
الصحفية رشا عبد العزيز (مصر اليوم): أشارت إلى خطورة مثل هذه الكتب في تضليل الرأي العام، خاصة مع ضعف الثقافة التاريخية لدى الشباب.
د. خالد أبو الليل (أستاذ التراث الشعبي): انتقد اعتماد الكاتب على “الخيال الأسطوري” بدلاً من المنهج العلمي.
رأي نقدي محايد:
رغم ما يطرحه الكتاب من أفكار صادمة وغير مألوفة، إلا أن قيمته لا تكمن في صحّة أو خطأ محتواه، بل في قدرته على فتح النقاش حول قضايا مسكوت عنها في الرواية التاريخية الرسمية.
الكاتب يستند إلى النصوص الدينية بوصفها مصادر تاريخية، في حين يتجاهل كثيرًا من الأدلة الأثرية المادية. وهذا يضع القارئ بين مدرستين في قراءة التاريخ:
إحداهما تؤمن بالتحقيق العلمي والوثائق المادية، والأخرى تستند إلى النصوص الغيبية والتأويل.
من هنا، فإن تناول هذا الكتاب يجب ألا يكون بالإلغاء أو الاستهزاء، بل بالنقاش العلمي والبحث المتأنّي. فالسؤال عن “من بنى الأهرامات؟” ما زال محفزًا للعقل، حتى لو اختلفت الأجوبة.
يظل “الفراعنة لصوص حضارة” كتابًا من خارج السياق، لكنه لا يخلو من جرأة وإثارة، وقد يحفز القارئ لإعادة طرح الأسئلة، وهذا بحد ذاته دور مهم لأي كتاب.