ظلَّ الداعية والمؤرّخ الإسلامي د. جمال عبد الهادي لسنوات، يطالب المصلين بقراءة هذا الكتاب، ويطالب بفرضه وتدريسه في مدارسنا،
جمال عبد الهادي
وخلال سنوات تابعتُ فيها الدكتور جمال عبد الهادي، وحاورته صحفيا، وكان مسجد التوحيد بشارع رمسيس (منطقة غمرة بالقاهرة) هو المسجد الذي ننتظر فيه هذا المفكر والمؤرخ المدهش بجسمه النحيل جدا، وهو يحمل أوراقا كثيرة فوق المنبر، ويأسرنا بصوته العذب المبحوح، ويستفيض في شرح واقعنا المؤلم، بالوثائق التي يحملها، والأوراق التي بين يديه.. ويظل ينتقل من قضية لقضية، لكنه لم ينس في أي خطبة جمعة أن يطالبنا بقراءة هذا الكتاب: (كيف نفكر إستراتيجيا؟)، وقراءة كل ما كتبه الدكتور فوزي محمد طايل.. واستمر بحثي عن هذا الكتاب في تلك الفترة، حتى وجدتُ هذا الكنز العجيب
كيف نفكر إستراتيجيا؟
– نحن الآن في حضرة اللواء أركان حرب دكتور: فوزي محمد طايل (رحمه الله)
– اُنظر …
اسمه مكتوب على بوابة مدينة العقل الإنساني.. وهذا كتابه المدهش: “كيف نفكر إستراتيجيًا” … من أروع وأعظم الكتب التي أفرزتها العقول العربية في آخر قرنين من الزمان…
كتابٌ يستنهض أمة.. ويُحيي حضارة.. ودستور لكل من أراد أن يعِي .. في زمنٍ غاب فيه العقل، وماتت فيه الضمائر.. وتلك هي قضيتنا …
– كان أستاذ الإستراتيجية الشاملة بأكاديمية ناصر العسكرية “فوزي محمد طايل” واحدا من المدهشين، وأحد العقول الجبارة في تاريخ الفكر الإنساني، وعندما رحل عن الدنيا في 2 فبراير 1996م .. وعمره 54 عاما … كانت مؤلفاته تزلزل عقول المتخصصين، لتطير أفكاره بعد ذلك للعامة، وتبقى المرجع الرئيس لفن الإستراتيجية الإسلامية، وبعض خطباء المساجد، والمفكرين والمستشرقين، ..
كانت كلها في رفع الهمّة وإحياء الأمة..
حتى إن كتابه الأشهر: “كيف نفكر إستراتيجيـًا” أصبح “حدوتة” لكل المستويات الفكرية والتيارات المختلفة والبسطاء في الأمة .. وتلك هي قمة الدهشة.
– أما كلمة “الإستراتيجية” فهي مشتقة من أصل إغريقي، كانت تستخدم بمعنى المكان المرتفع، أو القائد الكبير، ثم دخلت إلى اللغات الأوربية الحديثة وأصبح مفهومها: (فن توزيع واستخدام القوات المسلحة لدولة ما بغرض تحقيق أهدافها السياسية)، ثم تطور المفهوم ليصبح: مهارة التخطيط .. سواء كان عسكريا أو مدنيا …
إذن الإستراتيجية باختصار هي: (التخطيط بعيد المدى الذي يتم فيه الربط بين الأهداف والإمكانات المتاحة).
ولذا يتم تغييب فِكر هذا الرجل وطمس معالمه، منذ رحيله الغامض في ليلة الجمعة 13 رمضان 1416هــ / 2 فبراير 1996م.
فوزي محمد طايل
– وُلد د. فوزي محمد طايل، في القاهرة: 20 أبريل 1942م، وتخرّج في الكلية الحربية سنة 1960م، وحصل على ماجستير العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان، ثم حصل على الدكتوراه من كلية الحقوق جامعة القاهرة سنة 1986م، في موضوع: (أهداف ومجالات السُّلطة في الدولة الإسلامية)، كما حصل على الزمالة من كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، ودبلوم في الشريعة الإسلامية، وكان يجيد اللغات: الإنجليزية والفرنسية والعِبرية.
– ارتقى عدة مناصب وظيفية على مدار حياته المدنية والعسكرية، فوصلَ إلى قائد جناح تعليمي بمعهد الإشارة، ورئيس قسم التسليح بهيئة التنظيم والإدارة، وملحق حربي بسفارة مصر بزائير، ثم مساعد لمدير كلية الدفاع الوطني، ومديرًا لتحرير مجلة العلوم الإلكترونية بجامعة القاهرة.
– عملَ مدرسًا للنظم السياسية واللغة الإنجليزية بجامعة بني سويف، ثم أستاذًا للإستراتيجية الشاملة بأكاديمية ناصر، وأستاذًا للعلوم السياسية والقانون الدولي بالكلية الحربية، فضلاً عن عضوية عدد من اللجان والجمعيات القانونية المتخصصة.
– كان فوزي محمد طايل، مسلما حتى النخاع، يحفظ القرآن الكريم كاملا، وآلاف الأحاديث النبوية، وكانا هما مصدر المعرفة لديه.
إنتاجه الفكري:
1- أهداف ومجالات السُلطة في الدولة الإسلامية.
2- النظام السياسي في إسرائيل.
3- آثار أزمة الخليج علي منظومة القيم الإسلامية العليا.
4- البُعد الإسلامي في أزمة الخليج (رؤية فرنسية) مترجم
5- مذابح البوسنة والهرسك (أندلس جديدة في أوروبا)
6- البوسنة والهرسك في إطار المؤامرة الغربية
7- الجواسيس غير الكاملين (تاريخ مجتمع الاستخبارات الإسرائيلية) مترجم
8- ثقافتنا في إطار النظام العالمي الجديد
9- الشيشان والخطر المحدق بمسلمي آسيا.
10- كيف نفكر إستراتيجيا (صدر بعد وفاته)
بالإضافة إلى مئات الأبحاث والمقالات
– لم تكن كتاباته ورؤيته تخرج عن غايته في اتخاذ القرآن الكريم دستورًا للحياة، ومن ثم سعيه الدؤوب لبعث الأمة الإسلامية، وأسلمة الفكر العسكري.
– فوزي محمد طايل، واحد من المدهشين، الذين ظُلِموا، ومن العباقرة الذين عملوا وعاشوا في الظل، وقصة موته غامضة، وما زالت أسرته تلتزم الصمت…
.. وما زالت ذكريات الأمس نابضة، وصورة وصوت الداعية الدكتور “جمال عبد الهادي” الذي رحل عن الدنيا من أيام.. ما زالت صورته (رحمه الله) على منبر مسجد التوحيد، بمنطقة غمرة بالقاهرة، أمامي بوضوح، وهو يبكي، ويطالب بتدريس كتاب فوزي طايل: (كيف نفكّر إستراتيجيا؟) وينصح المصلين بمتابعة كل ما كتبه هذا الضابط الثائر الشريف الحُر العبقري الإسلامي
رحم اللهُ الرجلين، وجزاهما خيرا، وجعلهما من رفقاء النبي (صلى الله عليه وسلم) في الجنة.
————
يسري الخطيب