تقدّم الدول الأوروبية للكيان الصهيوني أشكالاً متعددة من الدعم، بعضها مباشر وبعضها غير مباشر، ويتوزع بين المجالات السياسية، الاقتصادية، العسكرية، والتكنولوجية. لكن هذا الدعم يواجه في السنوات الأخيرة تصاعدًا في الانتقادات الشعبية والسياسية داخل أوروبا، خاصة في ظل الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في الأراضي الفلسطينية.
فيما يلي تحليل مفصّل لأوجه الدعم، آفاق التطور، ومدى تأثير ذلك على تماسك الكيان الصهيوني:
أولًا: أوجه الدعم الأوروبي للكيان الصهيوني
1. الدعم السياسي والدبلوماسي
• العلاقات الرسمية: أغلب الدول الأوروبية تعترف بـ”إسرائيل” وتقيم علاقات دبلوماسية قوية معها.
• الدفاع في المحافل الدولية: رغم الانتقادات، تمتنع العديد من الدول الأوروبية عن اتخاذ مواقف حازمة ضد إسرائيل في المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان.
• عدم الاعتراف بدولة فلسطين: عدد كبير من الدول الأوروبية لا يعترف رسميًا بدولة فلسطين، ما يعزز الموقف التفاوضي الإسرائيلي.
2. الدعم الاقتصادي والتجاري
• اتفاقيات تجارية متميزة: الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول لإسرائيل، وتشمل الاتفاقيات تخفيض الرسوم الجمركية وتبادل التكنولوجيا.
• الاستثمار الأوروبي في قطاعات إسرائيلية كالتقنية والدواء والذكاء الاصطناعي.
3. التعاون العسكري والأمني
• رغم الحظر على بيع بعض الأسلحة، فإن هناك تعاونًا في مجال الأبحاث العسكرية، تبادل المعلومات الأمنية، ومكافحة الإرهاب.
4. التعاون العلمي والتكنولوجي
• إسرائيل شريك أساسي في مشاريع علمية أوروبية مثل برنامج “هورايزون”، حيث تتلقى تمويلات ضخمة لتطوير أبحاث التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
ثانيًا: مؤشرات التغيير والانتقادات المتصاعدة
1. الرأي العام الأوروبي
• استطلاعات الرأي تُظهر تزايد دعم الشعوب الأوروبية للقضية الفلسطينية، خاصة بعد مشاهد المجازر في غزة والضفة الغربية.
• نمو حركات المقاطعة (BDS) في الأوساط الأكاديمية والفنية والطلابية.
2. تحولات سياسية
• بعض البرلمانات الأوروبية (مثل البرلمانين الأيرلندي والإسباني) اتخذت مواقف أكثر جرأة في إدانة الاحتلال والمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطين.
• ارتفاع أصوات داخل الاتحاد الأوروبي تطالب بمراجعة العلاقة مع إسرائيل بسبب انتهاكها للقانون الدولي.
ثالثًا: مستقبل العلاقات بين الجانبين
على المدى القصير:
• لا يُتوقع تغيير جذري في العلاقات الرسمية، فالمصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة ما زالت قوية.
• لكن الضغوط الشعبية والسياسية المتزايدة قد تُجبر بعض الحكومات على اتخاذ خطوات رمزية مثل الاعتراف بدولة فلسطين أو فرض قيود على بعض أشكال التعاون.
على المدى المتوسط إلى البعيد:
• قد تفرض بعض الدول الأوروبية عقوبات محددة أو مشروطة على إسرائيل (مثل حظر منتجات المستوطنات).
• ممكن أن تزداد العزلة المعنوية لإسرائيل، خاصة إذا استمرت في سياساتها الحالية دون تغيير.
رابعًا: أثر ذلك على تماسك الكيان الصهيوني
• التهديد الاقتصادي: أي تراجع في التعاون الأوروبي سيؤثر على قطاعات اقتصادية إسرائيلية حساسة مثل التكنولوجيا والتصدير.
• تآكل الشرعية الدولية: زيادة العزلة الأوروبية ستُضعف موقف إسرائيل في التفاوض وربما تدفع دولًا أخرى لتشديد مواقفها.
• أزمة داخلية محتملة: تراجع الدعم الخارجي قد يُفاقم التناقضات الداخلية في إسرائيل، خصوصًا مع تصاعد الصراعات السياسية والديموغرافية بين اليمين المتطرف والعلمانيين.
خلاصة
أوروبا كانت وما زالت شريكًا داعمًا للكيان الصهيوني، لكن هذا الدعم لم يعد مضمونًا كما في السابق. هناك تحول تدريجي في المزاج العام الأوروبي، وقد تترجم هذه التحولات إلى ضغوط دبلوماسية واقتصادية متزايدة. في حال تصاعدت هذه الضغوط دون أن تُبدي إسرائيل تغييرًا في سلوكها، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف موقفها الدولي، وزيادة هشاشة تماسكها الداخلي، خاصة في ظل تآكل الدعم التقليدي من حلفائها الغربيين.