مضر أبو الهيجاء
قد يتساءل المرء ما سبب كل هذا الاهتمام بالشأن السوري؟
الجواب:
إن أرض الشام ومصر والعراق ترسم مسار التاريخ العربي والإسلامي من حيث نهضته أو انحطاطه، وفي ظل قتل العراق وتقطيعه جيوسيا لدرجة إفشاله ومحاولة إخراجه من التاريخ والفعل الحضاري كنتيجة للتعاون اللعين بين المشروع الإيراني والشيطان الأكبر، فإن حراك الشام الحيوي بات أمل الأمة المقيدة بسلاسل الذل منذ قرن.
وفي حال نجاح التجربة الإسلامية السورية بانعتاقها السياسي من الهيمنة الأمريكية، فإن خزان الأمة المختطف كرهينة في مصر سيكسر القيد ليخرج المارد العربي والإسلامي من القاهرة، التي ستقهر الشرق والغرب، بعد أن تدوس بأقدامها خونة القوم والمنافقين الذين أذلوا شعبها وقهروا كرامها.
أمتنا أمام قرن التمكين أو غربة ومأساة الرحيل!
لا خيار أمام الأمة إلا أن تضع كل خبراتها وطاقاتها العقلية والتنظيمية في الساحة السورية، لاسيما بعد هلاك فلسطين، واقصاء مصر، وتفتيت العراق، ومصادرة كل الخليج، وتحجيم تركيا وباكستان.
إن نجاح سورية وشعبها وحكامها في الانعتاق من هيمنة الإدارة الأمريكية سينقذ الجميع وتبدأ عملية الترميم العاجلة لجروح الأمة النازفة، وهو ما يجسد حقيقة التمكين بمضمونه الواقعي وليس بشعاراته الزائفة وألوانه المخادعة.
أما إن استطاعت ونجحت الإدارة الأمريكية بابتلاع سورية والهيمنة عليها، والعبث بمسارها السياسي والاصلاحي، وتقزيم وتشويه مشروعها الدعوي والعلمي، فإن شعوب المنطقة ستدخل في غربة تأخذها لقرن قادم في مسار مجهول ومؤلم.
الكيمياء مؤشر جاد وخطير!
تشير الكيمياء الحالية في المسألة السورية لحلول أمريكي قبيح فيها، فيما تقف الذئاب الصهيونية على التلال المحيطة بسورية، وتتأهب الضباع الطائفية لتنال من فريستها في لحظات غفلتها وضعفها.
من الفاجع أن يكون حراك المشروع الصليبي المتصهين حول سورية فاعل لا يهدأ كجيش من الجراد والدبابير التي تغزو أرض الشام، ولا يكون الحراك العربي والإسلامي كجيش من النحل الذي يغذي الشام ويرفدها بكل خير، والشعب السوري كجيش من النمل الذي لا يمل ولا يكل من البناء المتواصل!
فكيف يمكن أن نتكامل لتحقيق واجب الوقت نحو سورية؟
موضوعيا لا يمكن للأمة انجاز منعرج حقيقي في سورية إلا من خلال علمائها وشعبها وحكامها، الأمر الذي يوجب على أصحاب المستويات الثلاثة الانفتاح بشكل مؤطر على إخوانهم العرب والمسلمين لحصد النتائج وتراكمها، فما المانع أن يشكل العلماء السوريون إطارا عمليا إداريا يحصد خيرية علماء العرب والمسلمين لصالح البناء في سورية؟ وكذلك تفعل الأطر الشعبية السورية التي ستنتعق من نكد الدنيا وتخفف من أثقال الواقع من خلال صناعة أطر شعبية تستوعب كل نشاط مثمر عند إخوانهم خارج الحدود القطرية، عداك عن الفعل الأوجب المتعلق بحكام سورية سواء أكانوا مؤقتين أم انتقاليين؟
سورة عبس .. منهج ينجي من الغرق في مثلث برمودا الأمريكي؟
من الطبيعي أن كل حاكم وسلطة سيتفاعل مع المؤثرين في واقع الدنيا، وهو ما يفسر إقبال حكام سورية على الإدارة الأمريكية المتغطرسة والصبر عليها.
لكن ما الذي يمنع حكام سورية الجدد من تشكيل أطر سياسية جديدة خارج الإطار الأمريكي وتوجيهاته مستعينة ومتكاملة مع الأطر العلمائية والشعبية السورية، وذلك حتى لا تختطف سورية شيئا فشيئا وتغرق في مثلث برمودا الأمريكي الذي يستهدف خنقها وتحجيمها؟
النجاة نتيجة تقررها الكيمياء السورية الداخلية!
إن التكامل بين الشعب السوري ونخبه العلمية وحكامه شرط أساس لتحقيق التمكين بشكل تراكمي عبر النجاح في مواجهة المخاطر القائمة والتحديات القادمة.
وكما أن من واجب الشعب السوري أن يتحشد خلف حكامه ليزيدهم صلابة وعزيمة وقوة، فمن واجب الحكام الجدد أن يدركوا أن تعزيز القوى الشعبية من خلال أطرها التنظيمية -المستقلة عن الدولة- يزيد من قوتها في مواجهة التحديات الخارجية والمشاريع المعادية، وهو لا يضعفها أو يقلل من هيبتها ومكانتها، وانطلاقا من هذا الفهم فقد أدنت واستنكرت حل المجلس الإسلامي السوري -أيا كانت الملاحظات عليه، فالملاحظات على الحكومة الحالية وأداؤها أضعافا مضاعفة-، وكذلك أدين تفكيك القوى الشعبية المنسجمة مع الهوية الثقافية للحكام الجدد وأهدافهم المعلنة!
القيمة المتقدمة للغاية وليست للوسيلة.
إن الدولة وسيلة لغاية تمكين العدل والصلاح المجتمعي، وهي مهما كانت أساسية وشوكة لأي مشروع نهضوي، إلا أنها معرضة للضعف الداخلي -بفساد القائمين عليها واستبدادهم الذي يجر المفاسد-، أو لإضعافها من الخارج عبر النيل منها عسكريا أمنيا واقتصاديا، الأمر الذي يجعل من الشعب الحصن الأخير، وأما عنوان جدرانه المنيعة فهم العلماء وأطرهم الجامعة المعبرة عن الوحدة الثقافية صمام الأمام لحفظ الدين ومصالح العباد.
فهل وصلت الفكرة؟
مضر أبو الهيجاء جنين-فلسطين 30/6/2025