يرى محللان سياسيان ليبيان أن مقترح إنشاء مجلس تأسيسي في ليبيا، والذي طرحته اللجنة الاستشارية التابعة للبعثة الأممية للدعم، قد يشكل منفذًا واقعيًا لكسر حالة الانسداد السياسي التي تعيشها البلاد منذ سنوات، مؤكدين أن هذا الحل يحظى بدعم شعبي نسبي ويعيد الاعتبار للشرعية المستمدة من الشعب.
وجاء هذا المقترح ضمن البدائل الأربعة التي ناقشتها لجنة العشرين المنبثقة عن البعثة الأممية، وسط مطالبات متزايدة من داخل ليبيا لاعتماد هذا الخيار، حيث دعت 223 شخصية ليبية رئيسة البعثة الأممية، حنا تيتيه، إلى تبني المقترح الرابع رسميًا، باعتباره الأكثر قابلية للتنفيذ في ظل التوازنات السياسية والعسكرية القائمة.
صعوبات تنفيذ البدائل الأخرى
بحسب المحلل السياسي الليبي حسام الدين العبدلي، فإن المقترحات الثلاثة الأخرى التي طُرحت سابقًا تعاني من صعوبات كبيرة على أرض الواقع، مشيرًا إلى أن تعقيدات الواقع السياسي والانقسامات العسكرية تحول دون إمكانية تنفيذها، خاصة المقترحات التي تعتمد على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، أو صياغة قوانين دستورية منظمة دون توافق وطني شامل.
وأوضح العبدلي أن البديل الرابع المتمثل في إنشاء مجلس تأسيسي يبدو الأكثر واقعية، مشيرًا إلى أن هذا المجلس سيضم 60 عضوًا، يتم اختيارهم برعاية لجنة حوار وطنية بإشراف الأمم المتحدة. وتتمثل مهام المجلس في صياغة دستور جديد أو مؤقت، بما يفتح الطريق أمام تشكيل حكومة موحدة وتنظيم انتخابات حرة، وإنهاء الانقسام المؤسسي القائم.
وشدد العبدلي على أن المجلس التأسيسي سيكون بمثابة بديل شرعي لمجلسي النواب والدولة، مؤكدًا أن الانتقال المؤسسي سيكون مستندًا إلى اتفاقيات دولية سابقة، وسيمنح دفعة قوية نحو مرحلة انتقالية جديدة أكثر استقرارًا.
دعوة للعودة إلى الشعب
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي الدكتور خالد محمد الحجازي أن طرح فكرة المجلس التأسيسي يعكس فقدان الثقة الشعبي والسياسي في الأجسام القائمة مثل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، موضحًا أن هذا المقترح ينطوي على نزعة قوية للعودة إلى الشعب كمصدر أساسي للشرعية.
وأشار الحجازي إلى أن المجلس التأسيسي يمثل حلاً هيكليًا أكثر منه سياسيًا، لافتًا إلى أنه يمكن أن يشكل مرجعية دستورية قادرة على كتابة دستور دائم، يُنهي الفوضى القانونية الحالية، ويعيد بناء العقد الاجتماعي الليبي، ويُحدد طبيعة الدولة ونظام الحكم ومستقبل الحقوق والحريات.
تحديات على طريق التنفيذ
لكن رغم التفاؤل، نبّه الحجازي إلى تحديات كبيرة قد تُعرقل تنفيذ هذا الطرح، مشيرًا إلى أن أهمها يتمثل في سؤال الشرعية والرقابة: من سيُشرف على انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي؟ وهل يُعقل أن تُشرف عليه مؤسسات فاقدة للشرعية أو متهمة بالانحياز؟ وهل سيتقبل المتصارعون على السلطة ظهور كيان جديد قد يسحب منهم النفوذ؟
كما أشار إلى أن الانقسام الجغرافي والمؤسساتي داخل ليبيا يزيد من صعوبة التوافق على تشكيل المجلس أو تحديد مقره أو ضمان تمثيل عادل لمكونات الشعب الليبي. واعتبر أن العقبة الأهم تكمن في غياب الضمانات لتنفيذ مخرجات المجلس، متسائلًا: “حتى لو صاغ المجلس دستورًا متوازنًا، من الذي سيلتزم به؟”.
بين الأمل والتخوف
يرى مراقبون أن نجاح هذا المقترح يعتمد بشكل أساسي على إرادة الأطراف الليبية ومدى قبولها بتسليم زمام المرحلة الانتقالية لكيان تأسيسي جديد مستقل. وبينما يُنظر إليه كـ”بارقة أمل” لكسر الجمود، يخشى البعض أن يتحول إلى مبادرة شكلية أخرى إذا لم تحظَ بدعم فعلي على الأرض وغطاء سياسي وقانوني محلي ودولي قوي.
في المحصلة، يبدو أن إنشاء مجلس تأسيسي في ليبيا ليس مجرد خيار فني أو دستوري، بل هو اختبار حقيقي لمدى جدية الليبيين والمجتمع الدولي في إنهاء الأزمة الليبية المعقدة، والانتقال من مرحلة الانقسام إلى مرحلة بناء الدولة.