أقلام حرة

المرأة إذ تمتلك الإرادة وتتحدى الصعاب.. كلثوم نصر عودة نموذجا

بقلم: د. علاء فتحي

ولدت كلثوم في مدينة الناصرة بفلسطين سنة ١٨٩٢ وكانت الابنة الخامسة لوالدين ينتظران ولادة صبي، لذا لم تستقبلها الأسرة بترحاب لزعمهم أنها لا تتمتع بقدر من الجمال، فكبرت وهي لا تذكر أن والديها عطفا عليها يوما، بل تذكر كيف كانت أمها تتهكم عليها،

وفي ذلك تقول: «لقد استقبل ظهوري في هذا العالم بالدموع، والكل يعلم كيف تستقبل ولادة البنت عندنا نحن العرب، خصوصا إذا كانت هذه التعسة خامسة اخواتها، وفي عائلة لم يرزقها الله صبيا. وهذه الكراهة رافقتني منذ صغري. فلم أذكر أن والديَّ عطفا مرة عليّ وزاد في كراهة والدتي لي زعمها أني قبيحة الصورة»

لم يكن أمامها من سبيل للخلاص من محنتها سوى الذهاب إلى المدرسة، فعارضت أمها بشدة، لكن والدها رغب في تعليمها فأرسلها إلى مدرسة ابتدائية من مدارس الجمعية الفلسطينية – الروسية، وها هي تحكي وتقول: (نشأت قليلة الكلام كتوما أتجنب الناس، ولا هم لي سوى التعلم، ولا أذكر أن أحدا في بيتنا دعاني في صغري سوى «يا ستي سكوت» أو «يا سلولة»، وانكبابي على العلم في بادئ الامر نشأ من كثرة ما كنت أسمع من والدتي «مين ياخدك يا سودة. بتبقي طول عمرك عند امرأة أخيك خدامة».

وكان ثمة شبح مهول لهذا التهديد، إن عمتي لم تتزوج، وكانت عندنا في البيت بمثابة خادم. فهال عقلي الصغير هذا الأمر، وصرت أفكر كيف أتخلص من هذا المستقبل التعس، فلم أر بابا إلا بالعلم)

درست بجد ومثابرة حتى نالت الدرجة الأولى، وكان النظام يفتح المجال أمام الطالبة الأولى كي تكمل دراستها في مدرسة داخلية بالمجان، فانتقلت إلى دار المعلمات الروسية في بيت جالا، حتى تخرجت، ثم عادت إلى الناصرة واشتغلت بالتعليم في مدارس الجمعية الروسية، وبعدها تعرفت على طبيب روسي يدعى إيفان فاسيليفا، إذ كان مشرفا على صحة الطالبات، وتزوجته سنة ١٩١٢م.

رحلت مع زوجها إلى روسيا سنة ١٩١٤م، أثناء الحرب العالمية الأولى، ثم انتقلت مع زوجها إلى أوكرانيا، وفي سنة ١٩١٧م مرض زوجها ثم توفي بعدها تاركا ثلاث بنات صغيرات.

عادت من أوكرانيا إلى مدينة بطرسبرج «ليننجراد حاليا» سنة ١٩٢٤م، والتقت المستشرق الروسي إغناطيوس كراتشكوفسكي، وكانت قد التقته قبل ذلك مرة أثناء زيارته لمدرستها بالناصرة، وساعدها على دخول جامعة ليننجراد، وحصلت على شهادة الدكتوراه سنة ١٩٢٨م عن رسالتها «حول اللهجات العربية» واستمرت في الجامعة حتى وصلت إلى درجة “أستاذ” فكانت أول امرأة عربية تنال هذه الدرجة.

قامت بالتدريس في كلية اللغات الشرقية ببطرسبرج، والتي عمل بها من قبل الرحالة العظيم محمد عياد الطنطاوي ابن قرية نجريد، وعملت في القسم العربي في معهد الفلسفة والفنون والتاريخ، كما عملت بمعهد الاستشراق في موسكو، لذا انتقلت من ليننجراد إلى موسكو، وعملت في معهد العلاقات الدولية وفي المعهد الدبلوماسي العالي.

ساهمت في إقامة جسر حضاري بين روسيا والعالم العربي وتعريف الروس بالعرب من خلال ترجمة الأدب السوفييتي إلى اللغة العربية وكذلك ترجمة الأدب العربي إلى الروسية، ومن أبرز أعمالها ترجمة «حياة الشيخ محمد عياد الطنطاوي» للمستشرق الروسي أغناطيوس كراتشكوفيسكي.

منحت وسام الشرف وتقلدت وسام الصداقة بين الشعوب وهو أرفع وسام تمنحه السلطات الروسية لشخصيات تكرس علاقات الصداقة بين الشعب الروسي والشعوب الأخرى.

)


‏تابع قناة جريدة الأمة الإلكترونية في يوتيوب

تابع قناة جريدة الأمة الإلكترونية في واتساب

د. علاء فتحي
دكتوراة الفلسفة في اللغة العربية وآدابها - كلية الآداب جامعة طنطا - مصر

3 Comments

  • Avatar
    Abeer السبت سبتمبر 14, 2024

    ما شاء الله ربنا يزيدك ويبارك فيك ويوفقك ديما يارب

  • Avatar
    ربيع السبت سبتمبر 14, 2024

    بالتوفيق ربنا يزيدك علم

  • Avatar
    أحمد علي جميل السبت سبتمبر 14, 2024

    أحسنت دكتورنا المبجل..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *