
من المقرر أن تجتمع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، الخميس المقبل، للاجتماع الثالث في عام 2025، لمراجعة أسعار الفائدة الرئيسية في ضوء آخر المستجدات الاقتصادية العالمية والمحلية.
وتتباين التوقعات بشأن قرار لجنة السياسة النقدية المرتقب بين الإبقاء على أسعار الفائدة الحالية، في ظل ارتفاع التضخم الشهري، أو إدخال تخفيضات جديدة في ظل معدلات التضخم المنضبطة واستقرار الأسعار في السوق المحلية.
وبناء على قرار لجنة السياسة النقدية في اجتماعها الأخير في أبريل/نيسان، قدم البنك المركزي المصري تحولا كبيرا في سياسته ، بخفض أسعار الفائدة الرئيسية بنسبة 2.25% (225 نقطة أساس).
أصبح سعر الإيداع لليلة واحدة 25%، وسعر الإقراض لليلة واحدة 26%، وسعر العملية الرئيسية 25.5%. كما خُفِّض سعر الخصم إلى 25.5%.
توقعت شركة إتش سي للأوراق المالية والاستثمارات أن تخفض لجنة السياسة النقدية أسعار الفائدة الرئيسية بنسبة 200 نقطة أساس يوم الخميس.
وأرجعت هبة منير، المحللة المالية والاقتصادية في إتش سي للأوراق المالية والاستثمار، هذا التوقع إلى تحسن المؤشرات الاقتصادية الكلية في مصر والاستقرار الجيوسياسي النسبي.
وأضافت أن “الوضع الخارجي للبلاد يظهر علامات استقرار – وهو ما يتضح في تحول ميزان المدفوعات في الربع الثاني من السنة المالية 2024/2025 إلى فائض قدره 489 مليون دولار، وهو تحول ملحوظ عن العجز السابق”.
وأوضح منير أن “تحسن صافي الأصول الأجنبية في القطاع المصرفي، مدعومًا بزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، وشريحة من قرض صندوق النقد الدولي ، وتحسن سيولة النقد الأجنبي، يعزز هذا الاتجاه. علاوة على ذلك، ارتفعت الاحتياطيات الدولية الصافية بمقدار 387 مليون دولار أمريكي في أبريل، بدعم إضافي من ارتفاع احتياطيات الذهب وحقوق السحب الخاصة”.
في أحدث تقرير للسياسة النقدية للربع الأول من السنة المالية 2024/2025 (يوليو-سبتمبر 2024)، توقع البنك المركزي المصري ارتفاع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمصر إلى 4.3%، بزيادة ملحوظة عن نسبة 2.4% المسجلة في السنة المالية 2023/2024. وتأتي هذه القفزة المتوقعة بعد عامين من التباطؤ.
ويشير هذا الانتعاش المتوقع إلى تحول في الزخم، مدفوعا في المقام الأول بقطاع التصنيع المتجدد.
وقد أدى التحسن في سوق الصرف الأجنبي، وخاصة توحيد أسعار الصرف، إلى تمكين المصنعين من الوصول بشكل أفضل إلى المواد الخام والسلع الوسيطة، مما ساعد على إعادة تشغيل خطوط الإنتاج التي كانت بطيئة أو متوقفة.
وقد ساعدت التدابير السياسية الحاسمة التي اتخذها البنك المركزي في شهر مارس/آذار، بما في ذلك رفع أسعار الفائدة بنسبة 6% وتصحيح العملة، في تمهيد الطريق.
ولكن بحلول شهر أبريل/نيسان، كان البنك المركزي المصري قد بدأ بالفعل في تخفيف السياسة النقدية مرة أخرى، حيث خفض أسعار الفائدة بنحو 2.25 نقطة مئوية، مما يشير إلى الثقة في تحول المد.
وبالنظر إلى المستقبل، توقع التقرير تسارع النمو إلى متوسط 4.8% في السنة المالية 2025/2026 القادمة. ويساهم هذا التحسن في صورة النمو في توقعات التضخم المتفائلة بحذر.
ومن المتوقع أن يتراجع التضخم، الذي بلغ ذروته عند متوسط سنوي قدره 28.3% في عام 2024، إلى نحو 14-15% في عام 2025 و10-12.5% في عام 2026.
أشار البنك المركزي المصري إلى أن اتجاه انكماش التضخم سيستمر على الأرجح، مدعومًا بانخفاض الطلب المحلي في ظل سياسة نقدية متشددة، وجهود ضبط أوضاع المالية العامة. وتشير هذه التوقعات الصادرة حديثًا إلى وجود مجال لخفض أسعار الفائدة.
ومن الجدير بالذكر أن البنك المركزي المصري يستهدف معدل تضخم متوسط قدره سبعة في المائة (± اثنين في المائة) بحلول الربع الرابع من عام 2026. ويتطلب تحقيق ذلك ثبات توقعات التضخم، حتى مع ثبوت ارتفاع التضخم في السلع غير الغذائية أكثر من المتوقع ومع استمرار الإصلاحات المالية في الظهور.
بينما يظل التضخم أعلى من مستهدف البنك المركزي المصري، إلا أن الاتجاه يتجه نحو الانخفاض، حيث بلغ معدل التضخم العام في أبريل 13.9%، وهو ما يتوافق تمامًا مع التوقعات. ولا تزال عوائد سندات الخزانة تجذب اهتمام المستثمرين الأجانب، مما يدعم الجنيه المصري الذي ارتفع بنسبة 3% مؤخرًا، وفقًا لـ منير.
على الرغم من بعض الضعف في الاستهلاك المحلي، والذي يُشير إليه انخفاض مؤشر مديري المشتريات (PMI) في أبريل إلى 48.5، نعتقد أن البيئة الحالية تتيح للبنك المركزي مجالًا لتخفيف السياسة النقدية. وأضافت أن خفض أسعار الفائدة من شأنه دعم النمو دون المساس باستقرار الأسعار بشكل كبير.
وفي حديثه لـ”أهرام أونلاين”، أوضح الخبير المصرفي أحمد شوقي، أنه في ضوء الاستراتيجية الاقتصادية الأوسع للبلاد، تستهدف السياسة النقدية تقليص فجوة التضخم، التي تعكس انحرافات معدلات التضخم عن المستويات المتسقة مع استقرار الأسعار، وتضييق فجوة الناتج، التي تشير إلى تقلبات النشاط الاقتصادي الحقيقي عن طاقته الإنتاجية الكاملة.
وتسعى السياسة أيضًا إلى مواءمة معدلات التضخم مع سعر الصرف لتحقيق هدف التضخم الأحادي بحلول نهاية عام 2026. وأشار إلى أن هذا الهدف ليس بعيد المنال في ضوء مستويات التضخم الحالية البالغة 13.9% للتضخم العام و10.4% للتضخم الأساسي.
وأضاف شوقي أن اللجنة تعمل من خلال أداة سعر الفائدة على تحقيق التوازن بين فجوة التضخم وفجوة الناتج، مع التنسيق بين الاستثمار الأجنبي غير المباشر في أدوات الدين، والاستثمار المباشر، ونمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، الذي يقترب حالياً من 4%.
وبحسب الخبير فإن لجنة السياسة النقدية لا تزال لديها مساحة لتطبيق المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة خلال العام الجاري بعد خفض أسعار الفائدة بنسبة 2.25 بالمئة في اجتماعها الأخير.
ومع ذلك، فمن المتوقع أن تختار اللجنة إبقاء أسعار الفائدة ثابتة في الاجتماع المقبل بسبب الارتفاع النسبي الأخير في التضخم العام والأساسي، مدفوعاً بشكل رئيسي بقرارات السياسة المالية، مثل خفض دعم الوقود، وفقاً لما أوضحه.
وأضاف شوقي “بالإضافة إلى ذلك، فإن حالة عدم اليقين المتزايدة الناجمة عن التوترات الجيوسياسية المستمرة في الشرق الأوسط والهدنة الهادئة نسبيًا ولكن المؤقتة لمدة 90 يومًا بين الولايات المتحدة والصين تؤثر على توقعات اللجنة”.
مع توقع زيادة إضافية هذا العام، رفعت مصر أسعار جميع منتجات الوقود بالتجزئة بنسبة تتراوح بين 11.7% و33.3% في أبريل. ومثّلت هذه أول زيادة في عام 2025 بعد أن أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في أكتوبر عن تجميد الأسعار لمدة ستة أشهر.
وأدى هذا الإجراء إلى ارتفاع معدل التضخم الأساسي الشهري في البلاد في أبريل/نيسان إلى 1.2%، مقارنة بـ0.9% المسجلة في مارس/آذار، وفقا لحسابات البنك المركزي.
وعلاوة على ذلك، تسارع التضخم الأساسي السنوي أيضا في أبريل/نيسان إلى 10.4%، مقارنة بنحو 9.4% في الشهر السابق.
وارتفع معدل التضخم في المدن المصرية أيضا إلى 1.3% في أبريل، ارتفاعا من 1.1% في الشهر المقابل من العام الماضي، لكنه انخفض قليلا من 1.6% في مارس، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء .
وعلى أساس سنوي، بلغ معدل التضخم في أسعار المستهلك في المناطق الحضرية 13.9% في أبريل/نيسان، وهي زيادة متواضعة مقارنة بـ13.6% في مارس/آذار، بعد ما يقرب من خمسة أشهر متتالية من الانكماش.
وأضاف شوقي في تصريحات خاصة لـ”الأهرام أونلاين”، أنه من المرجح أن تواصل اللجنة متابعة التطورات الاقتصادية والمالية عن كثب، وتقييم تأثيرها المحتمل على المؤشرات الرئيسية، والعمل على الحفاظ على جاذبية أدوات الدين للمستثمرين.
وأضاف أن مسار تخفيف أسعار الفائدة بشكل تدريجي يظل محتملا طوال العام، وذلك اعتمادا على المؤشرات الاقتصادية.
وأضاف “في سيناريو أكثر بعدا، قد تخفض اللجنة أسعار الفائدة بنسبة واحد في المائة في الاجتماع المقبل، نظرا للفجوة بين أسعار الفائدة ومستويات التضخم”.
لكن السيناريو الأكثر ترجيحا بالنسبة للجنة السياسة النقدية هو إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير عند مستوياتها الحالية، 25% لسعر الإيداع و26% لسعر الإقراض، وفقا لتوقعات شوقي.