المسألة الفلسطينية كيف نقتلها وكيف نحييها سياسيا من جديد؟
إضاءات شرعية منهجية سياسية

مضر أبو الهيجاء
لم تكن ولن تكون فلسطين في يوم من الأيام إلا جزءا أصيلا من أرض الشام المباركة.
إن حقيقة وجوهر فلسطين اليوم هي أنها أهم جيب من جيوب الشام الثائرة، الأمر الذي يجب أن يدفعنا إلى إعادة مراجعة سياسية فكرية مستندة على الوحي وعلى جغرافية وتاريخ الأمة، لنعيد صياغة التصور حول المسألة الفلسطينية.
لقد كان تركيز القضية الفلسطينية ومشروعها في غزة سببا في مقتلها،
ولذلك فقد سعى الأمريكي وتعاون معه الإسرائيلي لإغراق المشروع التحرري في غزة من خلال وهم الدولة
-وهو السر الحقيقي للحاجة للدعم الإيراني والارتباط بها وليس ضرورة المقاومة كما يدعيها المخادعون-،
الطعم الذي ابتلعته قيادة الإخوان المسلمين -بسبب تضخم ركنية الدولة في أدبياتها- وجسدته حركة حماس فنحرت قضية فلسطين، وتحولت إلى مشروع إغاثة ونشيد!
دولة فلسطين عقول اللعينين سايكس وبيكو
لَم تكن فلسطين في يوم من الأيام دولة إلا في عقول اللعينين سايكس وبيكو، حيث نجح الشياطين في صياغة عقل التيارين الوطني والإسلامي في فلسطين، للدرجة التي شكلت وعي الجماهير العربية البائس،
وبات التصور الفلسطيني عليلا سياسيا وعقيما عن إحراز النتائج التي تعيد تصحيح التاريخ،
ولم تنجح كل أشكال الجهاد الواجب والمقاومة الباسلة في تغيير الواقع، وذلك لأنها محكومة بتصور أساس عليل سياسيا وفاسد شرعيا.
لمْ تكن الإدارة الأمريكية حمقاء عندما فرضت على نتنياهو أن يقبل بمشاركة حركة المقاومة الإسلامية حماس في الانتخابات التشريعية في القدس على أرضية اتفاق أوسلو عام 2006
-والتي تنازلت عنها حماس وقبلت بالمشاركة في الضفة وغزة دون القدس-،
وذلك بهدف تحويل مشروع التحرير الإسلامي المتصل بالأمة الواعدة، إلى مشروع سلطة ودولة مخصية، غرقت في صلاحياتها وبهرجها قيادات غزة مؤقتا وتألقت!
لم تكن خسارة الضفة الغربية بسبب اتفاق أوسلو الخائن فحسب،
بل اكتملت بسبب قرار حركة حماس بالاستفراد في حكم غزة -الساقطة عسكريا-،
الأمر الذي كان يعني بوضوح التخلي لإسرائيل عن مدن وجبال الضفة الغربية المرعبة!
وقد وقعت الواقعة منذ أن استبدل الفلسطينيون مشروع التحرير بمفهوم الدولة، وكما جسد ياسر عرفات ذلك الطموح وأحدث منعرجا سياسيا خطيرا في تاريخ فلسطين،
فقد صاغ عرفات بنفسه التصور الأساس في عقول قيادات حركة حماس المؤسسة،
ومنذ ذلك الحين نجح الصهاينة الأمريكيين بإخراج المسار الفلسطيني عن السكة.
ضم أرض فلسطين إلى الشام
لقد كان خطيب المسجد الأقصى المبارك ووالد الحاج أمين الحسيني واعيا عندما طالب حكام سورية في ثلاثينيات القرن المنصرم بضم أرض فلسطين إلى الشام،
ورفض التقسيم الغربي الظالم الذي فصلها عن أمها، ولكن طلبه قوبل بالرفض، وذلك تجاوبا مع مشروع سايكس وبيكو آنذاك.
أطالب اليوم حكام سورية الجدد وشعبها الأبي وثوارها الأشاوس ودولتها الواعدة أن تضم فلسطين الشام إلى أمها،
وإذا كان هذا محال في واقع الحال من الناحية السياسية، فإنه واجب من الناحية الفكرية المنطلقة من الوحي والمرتكزة على حقائق الجغرافيا والتاريخ.
إن تجربة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في إقامة دولة المدينة كانت حلما مستحيلا عندما كان أصحابه يسحلون على الرمضاء تحت الشمس الحارقة في مكة،
ولكن هذا المستحيل سياسيا بات واقعا جديدا نحياه ونعيش بركاته حتى اليوم،
وذلك حين سبقه إعداد صاغ التصور الإسلامي السديد في عقول الصحابة، قبل أن يسعى لتجسيده واقعا.
حزب البعث والشعب السوري
لقد أمضى حزب البعث العربي الاشتراكي أكثر من خمسين عاما وهو يصوغ عقول الأجيال في سورية بشكل خاطئ،
وهكذا فقد عبثت القومية العربية واليسار في فلسطين وشكلت مناهجها الفكرية، وتبنتها جميع الحركات التحررية.
لم تنعتق الأجيال في سورية إلا بعدما نفضت عن عقولها الأفكار والمناهج الجاهلية،
ولن تنعتق الأجيال في فلسطين إلا بعد أن تتخلص من تصوراتها العليلة والقاصرة، والتي فرضتها واقعا الحركات التحررية الوطنية كما الإسلامية.
إن صناعة واقع الشام المباركة يحتاج إلى بناء تصور شامل وجديد،
وذلك بعد أن يراجع التصور القائم وينقيه من جاهلية الانتماء القومي القطري المرتبط بصنم الدولة الوطنية،
والتي رسمها وأقرها الغرب فمزق الشام إلى قطع متجاورة ومتناحرة.
فلسطين لن تنجو من نير الاحتلال
إن فلسطين لن تنجو من نير الاحتلال مهما قدمت من دماء وشهداء،
وإن عودتها لأمها الكبرى في دمشق الشام هي عودة واجبة ومباركة،
لاسيما وأن أهل فلسطين يدفعون من دمائهم منذ قرن فاتورة إقامة الغرب لكيانه الوظيفي الذي جاء مستهدفا الشام ومصر والعراق بشكل رئيسي وأساس.
فهل يدرك أهل الشام الكرام أن فلسطين ليست دولة، وإنما هي جزء من أرض الشام المباركة،
وأنها أهم جيوبها الثائرة وعن أمها كانت بدماء أهلها دوما مدافعة.
وهل سيقبل ثوار سورية وعلماؤها الأبرار وقادتها الجدد اليوم ما رفضه مؤسسو سورية في الثلاثينيات،
ليكونوا كإسلاميين قامة أعلى وأجدر من أقزام القيادات القومية الخاسرة؟