في الأزقّة المكتظّة لدلهي القديمة، وفي الحقول المغمورة بمياه نهر برهما بوترا في ولاية أسّام، وعلى أطراف مومباي الصاخبة، يعيش المسلمون في الهند حالة انتظارٍ دائم… انتظار لا تُخفِّف من وطأته السنوات، ولا تُنهيه تصريحاتُ الساسة، ولا تُطمئنه وعودُ الدستور.
فمنذ أسابيعٍ قليلة، كادت الممرّضة المسلمة “نيميغا بريا” أن تُنفّذ فيها عقوبة الإعدام في العاصمة اليمنية صنعاء، لولا تدخّلات رجال دين ومجتمع مدني هندي.
وبحسب والدها، الذي تحدّث من ولاية كيرالا، فإن الدولة “لم تبذل الجهد ذاته” كما تفعل عادة في ملفات مشابهة، قائلاً: “لو لم تكن مسلمة… هل كانت حياتها تُترَك للصمت؟”.
وفي أقصى الشمال الشرقي، وتحديدًا في أسّام، كانت جرافات السلطات تقتحم أحياء بأكملها، وتُسقِط منازل لعائلات مسلمة فقيرة بدعوى “استرداد أراضٍ حكومية”،
بينما وثّقت منظمات حقوقية أن معظم المُرحّلين يمتلكون أوراقًا رسمية ويقيمون في المنطقة منذ عقود. وقال أحد نشطاء جماعة “علماء الهند”، التي سارعت لتوفير الخيام والمساعدات الطارئة للمتضررين: “ليست مجرد إزالة… إنّها رسالة سياسية”.
وفي وقتٍ متزامن، تداولت وسائل الإعلام الهندية اعتقال شاب مسلم في كانبور بتهمة الزواج من فتاة هندوسية دون الكشف عن ديانته الحقيقية.
واعتُبرت الحادثة واحدة من عشرات القضايا المصنَّفة تحت عنوان “جهاد الحب”، وهو مصطلح بات يُستخدم في سياقٍ عدائي لإثارة الشكوك حول نوايا المسلمين في العلاقات المختلطة.
تحوّل في الخطاب السياسي
في خلفية هذه الوقائع، تتعالى أصوات رسمية تُعبّر بوضوح عن توجه سياسي جديد. فقد صرّح رئيس وزراء أسّام، هيمنت بيسوا سارما، مؤخرًا أن حكومته “تخوض معركة لإنهاء الغزو من ديانةٍ واحدة”، في إشارة مباشرة إلى المسلمين البنغاليين الذين يعيشون في الولاية منذ أجيال.
وأثارت تصريحاته جدلاً واسعًا، إذ اعتبرها مراقبون “تحريضًا طائفيًّا مقنّعًا بثوب السيادة”.
آراء الخبراء والمنظمات الحقوقية
أكّد الدكتور أفتاب عالم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عليكرة الإسلامية، أن ما يجري “هو إعادة تعريف للهوية الوطنية، يتم فيه استبعاد المسلم من مشهد المواطنة المتكافئة”. بينما وصفت الباحثة الحقوقية أنغالي ساباروال الوضع بـ”الانتقائي”،
مشيرة إلى أنّ “الدولة تُطَبّق القانون على مسلم، وتتجاهله عند آخر، والعدالة في مثل هذا السياق تصبح مشروطة بالهوية”.
من جهتها، عبّرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان عن “قلق بالغ” إزاء التعديلات في قانون الجنسية الهندي الذي يستثني المسلمين صراحة، معتبرة أنه “ينتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي”.
أما منظمة العفو الدولية، فقد وصفت سياسات الهند بأنها “تُغذّي الكراهية وتُشرعن التمييز”، فيما أكدت هيومن رايتس ووتش أن “العنف الطائفي بحق المسلمين يجري بتواطؤٍ أو صمتٍ مؤسسي”.
المصير المعلّق
وسط هذه التطورات، يبدو المسلمون في الهند وكأنهم يعيشون في وطنٍ يتغيّر دونهم… وطنٍ شاركوا في بنائه، وأسّسوا جزءًا من أدبه وتاريخه ومقاومته، لكنّهم يُعاملون فيه كغرباء، أو حتى كمتّهمين في قضايا لم يشاركوا فيها. ومع كل حادثة، يتردّد في البيوت القديمة سؤال خافت، لا يسمعه كثيرون:.