تساؤلات كثيرة تدور في بعض الدول الأفريقية، بعد سقوط نظام بشار الذي كان حليفا استراتيجيا لروسيا طوال سنوات مضت، مفاد هذه التساؤلات هل سيؤدي سقوط نظام بشار الأسد في تراجع مستوى علاقات روسيا بالدول الإفريقية التي أحدث بها التدخل الروسي زلزالا سياسيا بدعم الانقلابات العسكرية والتخلص من النفوذ الفرنسي؟
هل سيتسبب هذا السقوط المدوي بدول الساحل خاصة والتي تعتمد كثيرا على الفيلق الروسي إلى مراجعة خططها بالسعي نحو فك الارتباط تدريجيا بموسكو سياسيا وعسكريا واقتصاديا؟
يرى كثير من المراقبين أن سقوط نظام بشار المعروف بقوته وبطشه وتمسكه الشديد بالحكم على مدى عقود وتحالفه مع الروس، ولّد مخاوف وشكوكا لدى القادة الأفارقة الذين تدعمهم موسكو بخصوص تعامل روسيا معهم في حالة وقوع توترات وحروب، خاصة أن أنظمتهم غير مستقرة ولم تحظ بالاعتراف الدولي، كما أن بلدانهم مازالت تعاني من العنف والإرهاب والرفض العشائري في بعض المناطق.
وفيما يرى البعض أن الدول الإفريقية لن تواجه مصير سوريا إن هي استفادت من الدرس وفكت ارتباطها الوثيق سياسيا وعسكريا واقتصاديا بموسكو، ونوعت علاقاتها الخارجية، يرى آخرون أن مصير هذه الأنظمة مرتبط بروسيا وأنها لن تستطيع تحقيق أهدافها منفردة لأنها رتبت وجودها على دعم روسيا واستقوت بالدعم الروسي في كافة المجالات خارجيا وداخليا.
إفريقيا، لا يتوقف تأثير سقوط الأسد وفشل موسكو في الدفاع عنه، على صورة روسيا لدى الشعوب الإفريقية التي خرجت سابقا في مظاهرات محتفية بالإنجاز الروسي ومطالبة بالتحالف مع روسيا وطرد فرنسا، بل إن تأثيره يمتد على الجانب العسكري الذي تعول عليه الأنظمة الحاكمة في غرب ووسط إفريقيا.
حيث إن احتمال خسارة روسيا لقواعدها العسكرية بسوريا من شأنه أن يضعف بشكل كبير الخدمات اللوجستية العسكرية التي تقدمها موسكو لحلفائها بإفريقيا، فلن تتمكن طائرات النقل الروسية من الوصول بسرعة إلى ليبيا ومالي والنيجر وبوركينافاسو وإفريقيا الوسطى، مما يعرض إمدادات العمليات العسكرية في منطقة الساحل ووسط إفريقيا للخطر.
وتملك موسكو قاعدتين عسكريتين في سوريا، بكل من طرطوس واللاذقية، وإلى جانب مراكز عسكرية غير معروفة أيضا بسوريا، وتقدم هذه القواعد خدمات لوجستية للقوات المسلحة الروسية بإفريقيا، ويشكل فقدان هذه القواعد ضربة موجعة للطموح الروسي في القارة الإفريقية.
في هذا الصدد، يرى الباحث السنغالي يحيا أداما أن الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا تهدد بإحداث موجة من الصدمات والعواقب في منطقة البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، خاصة في غرب إفريقيا حيث الانتشار الروسي كبير ومهم.
ويقول في حديثه لـ”العربية نت”: “من دون قواعد سوريا فإن روسيا ستتكلف الكثير وقد تخسر دورها في الشرق الأوسط ونفوذها الاستراتيجي القوي في إفريقيا.. فهذه القواعد كان لها بارز في العمل العسكري والاستراتيجي بالمنطقة، وقد كانت نقطة التزود بالوقود وتوقف الطائرات العسكرية التي تؤمن تناوب القوات والتزويد بالمواد والمعدات في مناطق النزاع بإفريقيا”.
ويضيف “إن فيلق إفريقيا أو ما كان يسمى بمجموعة فاغنر، يعتمد بشكل أساسي على القوات العسكرية بسوريا، لذلك فإن خسارتها تهديد صريح لهذا الدعم سيدفع الكثيرين إلى تقييم خياراتهم بمن فيهم روسيا حتى تضمن استمرارية موقفها الاستراتيجي في إفريقيا”.
يرى الباحث أن تأثير فشل روسيا في الحفاظ على حليفها لا يمكن اختصاره فقط في فقدان القواعد العسكرية رغم أهميتها، بل أيضا لصورتها في إفريقيا باعتبارها المنقذ والداعم والقادر على حل أزمات الدول الإفريقية التي تحالفت معها أو التي في الطريق للقيام بذلك.
ويقول “فشل روسيا في الحفاظ على حليفها أظهر للأفارقة خاصة المؤمنين بالحلم الروسي ضعفاً عسكرياً كبيراً بدأت روسيا تعاني منه بتأثير الحرب مع أوكرانيا، مما أثار تساؤلات حول قدرة موسكو على مواصلة مهماتها الأخرى في إفريقيا خاصة أن موسكو أمضت عدة سنوات تحاول الحصول على موطئ قدم دائم في القارة الإفريقية”.