في وقت تزداد فيه التوترات الجيوسياسية وتتصاعد الأزمات الاقتصادية والبيئية، تواصل ظاهرة الهجرة غير الشرعية الضغط على الحدود الجنوبية لأوروبا، وسط تدفق عشرات الآلاف من المهاجرين من إفريقيا والشرق الأوسط كل عام. وتشير البيانات الدولية إلى تحولات ملحوظة في خريطة بؤر الانطلاق والتجمع، بالإضافة إلى تصاعد الجدل الأوروبي حول التركيبة الديموغرافية وفعالية برامج الدعم المالي الموجهة إلى دول المصدر والعبور.
بؤر الانطلاق والتجمع.. من الساحل إلى الصحراء
وفقًا لتقارير المنظمة الدولية للهجرة (IOM) ووكالة حماية الحدود الأوروبية فرونتكس (Frontex)، تتركز بؤر الهجرة غير النظامية في عدة مناطق أبرزها:
ليبيا: بوصفها الممر الأخطر نحو أوروبا، لا سيما من مدن مثل زوارة وصبراتة.
تونس: وخاصة من منطقة صفاقس، التي باتت مركزًا رئيسيًا لتجمع المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء.
السنغال وموريتانيا ومالي: تُستخدم هذه الدول كنقاط انطلاق عبر المحيط الأطلسي إلى جزر الكناري الإسبانية.
مصر: تمثل مدن مرسى مطروح والضبعة نقاط انطلاق، ولو بشكل أقل من السابق.
تركيا: بوابة الهجرة الآسيوية إلى أوروبا عبر اليونان وبلغاريا، وخصوصًا للاجئين من سوريا وأفغانستان وإيران.
أرقام الهجرة غير الشرعية: صدمة سنوية
بحسب أحدث تقارير فرونتكس الصادر في يوليو 2025:
بلغ عدد محاولات العبور غير الشرعي إلى الاتحاد الأوروبي منذ بداية عام 2025 وحتى يونيو نحو 132 ألف محاولة.
في عام 2024، بلغ عدد الواصلين غير النظاميين إلى أوروبا نحو 380 ألف مهاجر، في أعلى نسبة منذ أزمة اللاجئين في 2015.
الطريق المركزي عبر البحر المتوسط (من ليبيا وتونس إلى إيطاليا) استحوذ على النسبة الأكبر من العبور، بنحو 60% من إجمالي الحالات.
الهجرة وتأثيرها على التركيبة الإثنوجرافية
تحذّر بعض الأحزاب الأوروبية، خاصة اليمينية منها، من تأثير هذه الموجات على التركيبة السكانية والثقافية في دول مثل ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، وإسبانيا. ورغم عدم وجود إجماع علمي على وجود “تغيير جذري”، فإن بعض الدراسات تؤكد:
ارتفاع نسبة الوافدين من خلفيات ثقافية غير أوروبية في بعض المدن الكبرى.
تحديات في الاندماج المجتمعي وتوفير خدمات التعليم والصحة.
في المقابل، تؤكد منظمات مثل مفوضية اللاجئين أن هؤلاء المهاجرين يساهمون في ملء الفراغ السكاني ومواجهة أزمات شيخوخة المجتمعات الأوروبية.
هل تحل الهجرة غير الشرعية مشاكل أوروبا؟
رغم المخاوف، ترى بعض التقارير الاقتصادية أن المهاجرين غير النظاميين، بعد تقنين أوضاعهم، يساهمون في:
سوق العمل اليدوي والمهني، خاصة في قطاعات الزراعة والبناء والرعاية الصحية.
دفع الضرائب بعد تنظيم أوضاعهم.
توفير قوة عمل شابة في دول تشهد تراجعًا في معدلات المواليد مثل إيطاليا وألمانيا.
ومع ذلك، تبقى الضغوط الأمنية والاجتماعية والسياسية المرتبطة بالهجرة غير النظامية محل جدل دائم.
تمويلات أوروبية ضخمة لوقف الهجرة: من الرابح الأكبر؟
خصص الاتحاد الأوروبي خلال عامي 2024 و2025 ميزانيات ضخمة لمحاولة وقف أو تقنين الهجرة غير النظامية:
بلغت قيمة التمويلات الممنوحة إلى دول المصدر والعبور مثل تونس، مصر، النيجر، المغرب، تركيا، وليبيا نحو:
3.5 مليار يورو في 2024
وارتفعت إلى 4.2 مليار يورو في 2025
ووفقًا لوثائق المفوضية الأوروبية، تنوعت هذه المساعدات بين:
تجهيز حرس الحدود
تمويل مشاريع تنموية في مناطق الفقر
برامج إعادة الإدماج للمهاجرين المرحلين
دعم لوجيستي لمراكز الاحتجاز والمعالجة الأولية
وتُعد تونس وتركيا من أكثر الدول حصولًا على هذه المساعدات، رغم الانتقادات الحقوقية لطبيعة بعض الاتفاقات الثنائية.
في الختام…
تبقى الهجرة غير النظامية واحدة من أعقد القضايا في العلاقة بين الشمال والجنوب، بين الرغبة في الحماية الأمنية والحاجة إلى الأيدي العاملة، وبين حماية الحدود وحماية الحقوق. ويظل السؤال مفتوحًا: هل يمكن حل معضلة الهجرة بالمنح والتعاون فقط؟ أم أن الحل يبدأ من الجذور في بلدان الجنوب؟